في قاعة تمتلئ بعشرات الآلاف من الحضور بمدينة أوماها الأميركية، صعد وارن بافيت إلى المنصة كعادته السنوية، بابتسامته الهادئة وصوته الواثق. لكن هذه المرة، لم يكن الأمر كأي اجتماع مساهمين آخر. فالرجل الذي بنى واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاستثمارية في العالم، وألهم أجيالاً من المستثمرين بروحه الهادئة وفكره الحاد، قرر أن يتنحى.
قال بافيت، البالغ من العمر 94 عاماً، وهو يختتم كلمته: "هذا هو الخبر الأهم لليوم... شكراً لحضوركم". بهذه الجملة القصيرة والمقتضبة، أعلن أعظم مستثمر في التاريخ عن نهاية مشواره في قيادة شركة "بيركشاير هاثاواي" بعد ستة عقود من العبقرية، الصبر، والرهانات التي غيرت وجه الاقتصاد الأميركي والعالمي.. فما هي قصته الملهمة، وما هو الوجه الآخر في حياته؟
من بائع علكة إلى عبقري أسواق
ولد بافيت عام 1930 في أوماها بولاية نبراسكا، وبدأ شغفه بالأعمال مبكراً بشكل يكاد لا يُصدق، فهو لم يبدأ حياته كمستمثر من بورصة نيويورك، بل من شوارع أوماها، حيث كان يبيع العلكة والمشروبات الغازية والمجلات من باب إلى باب في سن صغيرة. لم يكن الهدف جمع المال فقط، بل اختبار الأسواق، وفهم الناس، وتطوير غريزته الاقتصادية.
في سن السابعة قرأ كتاباً عن المليونيرات، فقرر أن يكون واحداً منهم. وفي العاشرة، بدأ في قراءة كتب الاستثمار، وبحلول الحادية عشرة اشترى أول سهم في حياته. كان مبلغ الاستثمار متواضعاً، لكن الدرس الذي خرج به كان أغلى من الذهب: الصبر يصنع الفارق.
وبعد قراءته لكتاب "المستثمر الذكي"، أدرك بافيت أن استثماره الحقيقي يجب أن يبدأ من المعرفة. فقرر الالتحاق بجامعة كولومبيا ليتعلم مباشرة من مؤلفي الكتاب، بنيامين غراهام وديفيد دود، ليصبح لاحقاً من أهم تلامذته وأكثرهم تأثيراً.
:
حصل بافيت على درجة الماجستير في الاقتصاد، ثم عمل كمحلل أوراق مالية وسمسار بورصة، قبل أن يؤسس شركته الاستثمارية الخاصة "بافيت بارتنرشيب" (Buffett Partnership).
قصة نجاح وكفاح في"بيركشاير هاثاواي"
في عام 1962، بدأ بافيت في شراء أسهم "بيركشاير هاثاواي"، ليتولى لاحقاً رئاستها ويحولها إلى شركة قابضة. منذ ذلك الحين، حقق عائداً سنوياً مركباً يزيد عن 20%.
ولم تكن بدايته في بيركشاير هاثاواي مدروسة كما يتخيل البعض. فقد كانت الشركة في الأصل مصنع نسيج متعثر، لكن بافيت رأى فيها بذرة شيء أكبر. استخدمها كمنصة انطلاق، وبنى فوقها تكتلاً ضخماً من الشركات والاستثمارات التي غيرت مسار رأس المال الأميركي.
استحواذ بافيت على شركة نسيج فاشلة وتحويلها إلى كيان استثماري عابر للقطاعات يعكس أحد أعظم دروسه: لا تبحث عن الكمال، بل عن الإمكانات. ومن هذه الشركة المتعثرة، بنى بافيت مؤسسة تتجاوز اليوم قيمتها السوقية 700 مليار دولار.
مقارنة بين أداء بيركشاير هاثاواي ومؤشر "إس آند بي 500" في الفترة من (1965 2024) الشركة/ المؤشر عدد السنوات المشمولة متوسط العائد السنوي (%) "بيركشاير هاثاواي" 59 20.1 "إس آند بي 500" 59 10.2 المصدر: الشرق
رجل لا يراهن على السوق.. بل على المنطق
بافيت لم يكن مضارباً ولا متداولاً لحظياً، بل مستثمراً يقدّر القيمة الحقيقية للأعمال. طوال عقود، تمسك بفلسفة "الاستثمار في الشركات الجيدة بالسعر المناسب"، وتجنب الانجراف وراء ضوضاء الأسواق.
وبلغ متوسط العائد السنوي المركب لبيركشاير نحو 20% من عام 1965 حتى 2024، مقارنة بنحو 10% فقط لمؤشر"إس آند بي 500" وفق بلومبرغ.
لم يكن نجاحه قائماً على الحظ، بل على حسابات منضبطة، وثقة لا تتزعزع في قدرة الاقتصاد الأميركي على التعافي والنمو، مهما كانت الأزمات.
قال ذات مرة حين اشترى شركة السكك الحديدية "BNSF" مقابل 26 مليار دولار: "هذا رهان شامل على مستقبل الولايات المتحدة".
وارن بافيت: رسوم ترمب.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg
