يبدو أن قواعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا تغيرت بالكامل، فما كانت تعتبره واشنطن محرّماً على كييف والذي يتمثَّل في استهداف العمق الروسي، أصبح الآن مباحاً، وتكمن كلمة السر في نجاح هذا الهجوم وراء طائرات مسيّرة صغيرة من نوع "منظور الشخص الأول" (FPV).
وساهمت الطائرات المسيّرة المصنّعة في أوكرانيا في تحويل الفناء الخلفي لروسيا من ملاذ آمن إلى مسرح عمليات مفتوح، وهو ما يُعيد تعريف قواعد الاشتباك مرة أخرى، وفق محللة الشؤون الأمنية الأميركية إيرينا تسوكرمان التي تحدثت لـ"الشرق".
وشنت أوكرانيا، الأحد، هجوماً بعشرات الطائرات المسيّرة، أطلقت عليه اسم "شبكة العنكبوت"، مستهدفة 4 قواعد جوية عسكرية داخل العمق الروسي، وكانت تُستخدم لشن غارات جوية على جبهات القتال باستخدام قاذفات القنابل الاستراتيجية، في واحدة من أكثر العمليات جرأة منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 3 سنوات، وفق الرواية الأوكرانية.
ماذا حدث؟
وأشارت أوكرانيا إلى أنها استهدفت أكثر من 40 قاذفة استراتيجية روسية، أي نحو ثلث أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية، التي "تضررت أو دمرت" في عملية منسّقة على بُعد آلاف الكيلومترات من خطوط المواجهة.
وقالت أوكرانيا إن النيران اندلعت في طائرات بقاعدة "بيلايا" الجوية، الواقعة في جنوب شرقي سيبيريا على بُعد نحو 5500 كيلومتر شرق الحدود الأوكرانية، وفي قاعدة "أولينيا" في شبه جزيرة كولا قرب مورمانسك، إضافة إلى قاعدة "دياجيليفو" الجوية على بُعد 200 كيلومتر جنوب شرقي موسكو، وقاعدة "إيفانوفو" الواقعة على بُعد 300 كيلومتر شمال شرقي العاصمة الروسية.
فيما قالت موسكو إن الهجوم تسبّب في اشتعال نيران في عدد من الطائرات في قاعدتين بإقليم إيركوتسك في سيبيريا ومقاطعة مورمانسك في الشمال، وأكدت أن الحرائق أُخمدت.
طائرات FPV المسيّرة
وأشارت كييف إلى أنها استغرقت نحو عام ونصف العام في التخطيط للهجوم الذي استُخدمت فيه عشرات الطائرات المسيّرة الصغيرة من نوع "منظور الشخص الأول" (FPV).
وتُعد مسيَّرة (FPV) طائرة غير مأهولة، تبث مجال رؤيتها للمشغّل في الوقت الفعلي، ما يتيح له التحكم بها كما لو كان على متنها، وتُعتبر كذلك من أكثر الأنواع شيوعاً في ساحة المعركة الأوكرانية.
ورغم تكلفتها المنخفضة نسبياً مقارنة بالمنصات الجوية الأخرى، إلا أنها أحدثت تحولاً جذرياً في فهم الحرب الحديثة، وذلك بفضل قدراتها الكبيرة على المناورة، وإمكانية تزويدها بالمتفجرات لتنفيذ ضربات موجهة، وفق "المجلس الأطلسي" Atlantic Council.
كما تُعد هذه المسيّرات مناسبة تماماً لاستهداف معدات محددة، مثل الرادارات والهوائيات المثبتة على الأسطح الخارجية للمركبات المدرعة.
ويعمل مشغلو مسيّرات FPV عادة ضمن فرق متخصصة تقع على بُعد كيلومترين إلى خمسة كيلومترات من خط المواجهة، وتوفر لهم هذه المسافة أماناً نسبياً من الأسلحة الصغيرة، والأنظمة الأكبر حجماً المثبتة على المركبات المدرعة، وكذلك من نيران قذائف الهاون غير المباشرة.
ونجحت أوكرانيا في إنتاج طائرات مسيّرة باستخدام مكونات محلية الصنع بالكامل، ما منحها قدرة أكبر على تطوير وإنتاج مسيّرات بكميات كبيرة لتلبية احتياجاتها بدقة.
وفي مارس الماضي، سلّمت شركة Vyriy Drone الأوكرانية رسمياً الدفعة الأولى من طائرات FPV، والمؤلفة من 1000 وحدة.
وقال متحدث باسم الشركة إن الحكومة لم تشترط أن يكون الإنتاج محلياً بالكامل. وأضاف أنهم يقومون بتصنيع الإطارات ولوحات البدء وأجهزة التحكم في الطيران وأنظمة التحكم عن بُعد.
وأشار إلى أن باقي مكونات تصنيع المسيّرة، بما في ذلك الكاميرات وأجهزة إرسال الفيديو والكاميرات، يتم الحصول عليها من شركات أوكرانية أخرى.
كلمة السر.. الاستخبارات
ويرى الخبير البريطاني في الدراسات الاستراتيجية، أوليفر ستيورات، أن الاستخبارات هي "كلمة السر" في الهجوم الأوكراني داخل العمق الروسي.
وقال ستيوارت في تصريحات لـ"الشرق"، إن نجاح أوكرانيا لا يتعلق فقط باستهداف قواعد روسية، ولكن أيضاً بنقل الشاحنات التي تحمل المسيّرات إلى نقاط الهجوم نفسها، وهو ما يتطلب استخبارات جغرافية عبر الأقمار الاصطناعية، وأنشطة استخباراتية داخل روسيا نفسها.
ووصف ستيوارت الهجوم الأوكراني بأنه "ضربة استراتيجية قاصمة"، وجرى تنفيذها باستخدام طائرات مسيّرة صغيرة يصعب الدفاع ضدها بالوسائل التقليدية.
ومضت محللة الشؤون الأمنية الأميركية إيرينا تسوكرمان قائلة، إن "نجاح أوكرانيا في ضرب وتدمير طائرات استراتيجية روسية ليس محض صدفة، بل هو نتيجة عقيدة مدروسة ومتطورة للحرب غير المتكافئة بعيدة المدى، والتي حوّلت عمق روسيا إلى عبء".
ويبدو أن أوكرانيا اعتمدت بشكل كبير على طريقة مختلفة ساعدتها في استهداف العمق الروسي، عبر تطوير صواريخ كروز وطائرات مسيّرة مدعومة بتكنولوجيا غربية، ما مكَّنها من تشكيل قوة ضاربة قادرة على اختراق المجال الجوي الروسي، بحسب تسوكرمان.
أين الدفاعات الروسية؟
وضعت الضربة الأوكرانية المحللين أمام تساؤلات بشأن مدى فاعلية الدفاعات الروسية التي لم تنجح بالشكل الكافي في تأمين بعض من أهم المواقع العسكرية داخل البلاد.
واعتبرت المحللة الأمنية الأميركية أن "نظام الدفاع الجوي الروسي المُتباهَى به ليس القبة المنيعة التي يُروَّج لها، ولكنه مزيج من أنظمة قديمة من الحقبة السوفيتية، مثل S-200 وS-300، ومنصات أحدث ولكنها مُثقلة بالأعباء مثل S-400، وهياكل قيادة إقليمية لا تتواصل دائماً مع بعضها البعض".
ونوَّهت إلى أن "الدفاعات الروسية متعددة الطبقات نظرياً، ولكن من الناحية العملية فهي مُجزّأة، وتعاني من نقص في الكوادر، بالإضافة إلى أنها ترتب أولوياتها بشكل خاطئ".
وركّزت روسيا أفضل دفاعاتها حول موسكو ومراكز القيادة الرئيسية، تاركة القواعد والبنى التحتية الثانوية، بما في ذلك المطارات الاستراتيجية، دون حماية كافية أو محمية بأنظمة قديمة أكثر ملاءمة لاعتراض الصواريخ الباليستية، وليس من الطائرات المسيّرة منخفضة الارتفاع.
وتابعت تسوكرمان: "الضربات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار
