الدكتور فيصل الشمري- كاتب ومحلل سياسي مختص بالشأن الأمريكي
حين ننظر إلى ما يجري في برلين وطوكيو، لا نفعل ذلك من باب الفضول أو المتابعة العابرة. بل لأن مستقبل التحالفات وموازين القوى في العالم ينعكس بشكل مباشر على منطقتنا. إعادة تشكّل خارطة النفوذ العسكري في أوروبا وآسيا ليس حدثًا معزولًا، بل مؤشر عميق على عالم يتغير، وعلى دول ترفض البقاء تحت عباءة القوى الكبرى، وتسعى لبناء أمنها بيدها. وهذه دروس تستحق أن تُقرأ جيدًا في عواصمنا.
ما يحدث اليوم في برلين وطوكيو ليس مجرد تعديل طفيف في السياسات الدفاعية، بل هو تحوّل استراتيجي يعيد تعريف دور دولتين خرجتا من الحرب العالمية الثانية محاصرتين بقيود التاريخ، لتعودا الآن إلى المشهد بثقل مختلف، وبسلاح أكثر حضوراً. من كان يظن أن ألمانيا، التي كانت حتى الأمس القريب تعتمد على المظلة الأمريكية داخل الناتو، أو أن اليابان، التي كرّست عقودها بعد الحرب لـ السلام الدستوري ، ستعودان اليوم لتطوير وتوسيع قوتيهما العسكريتين بمبادرة ذاتية؟
هذا ليس انعكاساً لنزعة قومية أو استعراض قوة محلي، بل استجابة واعية لتحولات استراتيجية كبرى يشهدها العالم. فمع تراجع الدور الأمريكي التقليدي في ضبط الأمن العالمي، وانشغال واشنطن بمنافسات داخلية وخارجية أكثر تعقيداً، لم يعد بإمكان حلفائها الاعتماد المطلق على الغطاء الأميركي، بل صار لزاماً عليهم بناء مظلتهم الخاصة.
برلين: ما بعد الرهانات القديمة
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت ألمانيا بمراجعة حقيقية لمفهومها عن الأمن القومي. انتقلت من التردد إلى الحسم. ومن التردد في إنفاق 2٪ من ناتجها المحلي على الدفاع، إلى إعلان حزمة إنفاق دفاعي تجاوزت 100 مليار يورو. المستشار أولاف شولتز وصف هذه المرحلة بأنها تغيير جذري في السياسة الألمانية ، وهو وصف دقيق.
بدأت برلين بإعادة تأهيل جيشها المهمل، وتحديث بنيته التكنولوجية، وزيادة قدراته البرية والجوية والبحرية، فضلاً عن تعزيز منظومات الدفاع الجوي المتقدمة، خاصة في ظل التهديد الروسي المتنامي في شرق أوروبا.
والأهم من ذلك: هذا التغيير لم يكن مفروضاً من الخارج، بل ناب عن إدراك داخلي بأن الاعتماد على الآخرين لم يعد خياراً آمناً.
طوكيو: من الدفاع إلى الردع
في الطرف الآخر من العالم، وتحديداً في شرق آسيا، تتحرك اليابان هي الأخرى بسرعة غير معتادة. الدستور الياباني الذي صيغ عام 1947 كان يعكس رفضاً تاماً لفكرة استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية، لكن التهديدات القادمة من بكين وبيونغ يانغ دفعت طوكيو إلى إعادة صياغة عقيدتها الأمنية.
في عام 2022، أعلنت اليابان عن خطة دفاعية جديدة تشمل امتلاك قدرات هجومية صاروخية بعيدة المدى، وتوسيع أسطولها البحري، ورفع إنفاقها العسكري بشكل غير مسبوق. بل إن اليابان أصبحت من بين الدول القليلة التي.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوئام
