مصدر الصورة: FadelChaker
في مساء الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2025، سلّم الفنان اللبناني فضل شاكر نفسه طوعاً لدورية تابعة لمخابرات الجيش اللبناني عند أحد الحواجز على مدخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوبي لبنان، منهياً أكثر من اثني عشر عاماً من الاختفاء.
وبذلك، فتحت صفحة قضائية جديدة في مسيرة المغني الخمسيني، الذي كان أحد أبرز رموز الأغنية الرومانسية العربية في مطلع الألفية، قبل أن يعود حديثاً إلى الساحة بقوة عبر مجموعة من الأغاني التي أطلقها من مكان اختفائه، وحققت عشرات ملايين المشاهدات على المنصات الرقمية خلال الأشهر الأخيرة.
فكيف تسلسلت الأحداث حتى هذه اللحظة؟ ماذا نعرف عن ملف فضل شاكر؟ وما الذي ينتظره أمام المحكمة؟
يقول المطلعون على القضية إن شاكر قد يتجه إلى مغادرة لبنان نهاية الشهر الحالي، فهل تصحّ هذه التوقعات؟ وهل يقف خلف تقدّم قضيته أي بعد سياسي؟
لماذا دخل فضل مخيم عين الحلوة؟ توارى فضل شاكر (1969) عن الأنظار بعد الاشتباكات المسلّحة في منطقة عبرا قرب صيدا عام 2013، بين الجيش اللبناني وأنصار الشيخ السلفي أحمد الأسير.
حتى تلك اللحظة، كان الرجل الذي بدأت مسيرته الفنية في مطلع التسعينيات أحد أبرز نجوم الغناء العربي الحديث. لمع اسمه في المهرجانات الكبرى كقرطاج وجرش، ولقّبه جمهوره بـ"ملك الرومانسية"، وأصدر ألبومات حققت نجاحاً جماهيرياً واسعاً.
لكن نهاية عام 2012 شكّلت منعطفاً حاداً في مسيرته، حين أعلن اعتزال الفن نهائياً واتجه إلى التديّن، وبدأ يظهر إلى جانب الشيخ أحمد الأسير، إمام مسجد بلال بن رباح في صيدا جنوبي لبنان.
كان لبنان آنذاك يعيش ذروة انقسامه السياسي والطائفي بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005، واندلاع الأزمة السورية عام 2011.
شارك حزب الله في القتال إلى جانب قوات الرئيس السوري السابق بشار الأسد في سوريا، وبرز الشيخ أحمد الأسير بخطابه المناهض لحزب الله، متهماً الجيش اللبناني بحماية عناصر الحزب في صيدا.
في خضم هذا المشهد، وجد فضل شاكر في الأسير صوتاً يعبر عنه، فاقترب منه وشارك في نشاطاته الدينية والسياسية، وظهر بجانبه في وقفات احتجاجية أطلق خلالها عبر شاشات التلفزيون تهديدات علنية بالقتل.
في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو 2013، تعرّضت دورية للجيش لإطلاق نار قرب مجمّع بلال بن رباح الذي كان الأسير قد اتخذه مقراً له، فردّ الجيش على الهجوم لتتحول الحادثة إلى معركة مفتوحة استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية.
انتهت المواجهات باقتحام الجيش للمجمّع ومقتل 18 جندياً و40 مسلحاً من جماعة الأسير، مدَنيَيْن.
يقول فضل شاكر إنه لم يشارك في القتال، بل غادر المجمّع قبل اندلاع المعركة. ومع سقوط جماعة الأسير وتفككها بعد المواجهات الدامية مع الجيش اللبناني وجد شاكر نفسه مطارَداً بتهم تتعلق بالإرهاب والتحريض، ففرّ إلى مخيم عين الحلوة في صيدا، الذي يخضع لسيطرة فصائل فلسطينية ولا يدخل إليه الجيش اللبناني.
صدرت أحكام بالسجن على الأسير وعدد من المتورطين معه من المحكمة العسكرية اللبنانية، فيما حوكم فضل شاكر غيابياً، وصدر بحقه حكمان بالسجن مدة 22 عاماً مع الأشغال الشاقة، موزّعة على حكم بالسجن 15 عاماً لتورّطه في "أعمال إرهابية وتقديم خدمات لوجستية"، وآخر بالسجن 7 أعوام لتهم التمويل والدعم المالي للمجموعة المسلحة.
لماذا سلّم نفسه بعد كلّ تلك السنوات؟ عاش فضل شاكر سنوات طويلة متوارياً عن الأنظار بين أحياء مكتظة وواقع أمني هشّ. بعد انهيار جماعة الأسير، بدأ المغني يتراجع تدريجياً عن مواقفه الحادّة، ويصدر أغانياً سجّلها في شقته داخل المخيم، حققت نجاحاً محدوداً.
يقول مصدر مطّلع على القضية منذ بدايتها، فضّل عدم الكشف عن اسمه مراعاةً لسير عمل القضاء، لبي بي سي عربي، إن قرار فضل شاكر بتسليم نفسه لم يكن مصادفة، بل جاء نتيجة ضغوطٍ متداخلة، تقاطعت فيها السياسة والأمن والفن والإعلام.
ففي الأشهر الأخيرة، أصبح فضل شاكر يعيش وضعاً صعباً داخل مخيم عين الحلوة، إذ تلقّى تهديداتٍ من جماعات متشددة اتهمته بالتراجع عن توبته بعد عودته إلى الغناء، ومنعته من الظهور العلني أو تسجيل أعمالٍ جديدة. ومع ازدياد الاشتباكات داخل المخيم، شعر أنّ حياته مهددة وأنّ الوقت حان للخروج.
في الوقت نفسه، جرت اتصالات سياسية وأمنية على مستويات عالية داخل لبنان وخارجه. وبحسب المصدر، نقل مقربون من الرئيس اللبناني جوزاف عون رسالة واضحة إلى شاكر تؤكد أنّه سيحاكم محاكمة عادلة بعيداً عن أي انتقامٍ سياسي، كما تلقّى إشارات من جهات عربية، بينها شخصياتٌ سعودية، تشجّعه على تسوية وضعه القضائي.
بالتوازي، كان شاكر قد وقّع عقداً مع شركة "بنشمارك" السعودية لإنتاج أعماله الجديدة، التي أشرفت على أغنيتيه الأخيرتين "صحاك الشوق" و"روح البحر"، وقد لاقتا نجاحاً واسعاً في العالم العربي وحققتا عشرات ملايين المشاهدات على منصات الاستماع ومواقع التواصل، ما أعاد اسمه بقوة إلى الساحة الفنية.
وفي السياق نفسه، بثّت منصة "شاهد" السعودية مطلع العام وثائقياً بعنوان "يا غايب"، تناول قصة فضل شاكر من وجهة نظره، قدّم فيه روايته للأحداث وحاول تبرير مواقفه السابقة وإظهار معاناته خلال سنوات الاختباء.
يقول المصدر الذي تحدث لبي بي سي عربي إنّ هذا الاهتمام الفني والإعلامي السعودي منح شاكر ثقةً بأنّ مناخاً جديداً بات يسمح بإعادة النظر في قضيته.
هكذا اجتمعت أربعة عوامل حاسمة في قراره: التهديدات داخل المخيم، والاتصالات السياسية التي قدّمت ضماناتٍ لمحاكمةٍ عادلة، والدعم الفني والإعلامي من الرياض. مزيجٌ أعاد فتح الباب أمامه ليواجه.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي
