من انطوان فتال إلى سيمون كرم، ومن ديفيد كيمحي إلى يوري ريسنيك.فتال كان رئيس الوفد اللبناني إلى المفاوضات التي أدت إلى اتفاق 17 مايو 1983، وكيمحي كان رئيس الوفد الإسرائيلي.اليوم لا يعيد التاريخ نفسه، فما كان عام 1983، ليس كما هو اليوم عام 2025.كانت هناك سوريا الأسد التي ترفض التفاوض مع إسرائيل وتاليًا الاتفاق معها. وكانت هناك إيران في طور تأسيس "حزب الله" على يد الحرس الثوري الإيراني، وكانت الدولة اللبنانية هي الحلقة الأضعف. اليوم، صحيح أنّ إسرائيل لم تصل إلى بيروت، لكنها حققت ما هو أكثر إيلامًا من الوصول إلى بيروت، وسوريا الأسد لم تعد موجودة، ولا مشاهد لتدمير مقر للمارينز في بيروت وسقوط أكثر من 240 منهم.اليوم تغيّر المشهد:"حزب الله" في أضعف حال منذ تأسيسه عام 1982.سوريا الأسد لم تعد موجودة.القيادات التي أنجزت تدمير مقر المارينز، كعماد مغنية، وغيره، لم تعد موجودة.هناك دولة لبنانية مكتملة الأوصاف قادرة على السير بالمفاوضات من دون خشية من أحد.سيمون كرم واللحظة الإقليميةتعيين السفير سيمون كرم جاء في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، ويفتح الباب أمام تساؤلات ملحّة: هل نحن أمام جولة جديدة من التفاوض المباشر أو غير المباشر بين الطرفين؟ كيف يمكن أن تسير هذه المفاوضات؟لعلّ العودة إلى تاريخ التفاوض بين لبنان وإسرائيل تتيح فهمًا أعمق لمعادلات اليوم، إذ إن العلاقات بين الطرفين لم تشهد يومًا مفاوضات عادية، بل كانت دائمًا محكومة بالسياق الإقليمي، وبالمعادلة الداخلية اللبنانية، وبحجم النفوذ الدولي.بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، دخل لبنان في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية، قادها من الجانب اللبناني آنذاك وزير الخارجية إيلي سالم، وعلى رأس فريق التفاوض انطوان فتال. انتهت المفاوضات بتوقيع اتفاق 17 مايو 1983، إلا أنّه لم يُنفّذ لأنّ رئيس الجمهورية أمين الجميل لم يوقعه، على الرغم من أن مجلس النواب صادق عليه، وبسبب سقوط الحكومة التي وقعته.في هذه الجولة، ظهر اسم السفير سيمون كرم كأحد أبرز من شاركوا في العمل الدبلوماسي المواكب للملف، قبل أن يُعاد اليوم إلى الواجهة كرئيس للوفد المفاوض.تعيين السفير سيمون كرم يحمل أكثر من دلالة،كرم دبلوماسيّ مهنّي قضى سنوات طويلة في العمل الخارجي، ما يعني أنّ الدولة اللبنانية تميلُ إلى رفع مستوى التفاوض وإخراجه من الدائرة الضيقة.ملف التفاوض حساس جدًا داخل لبنان، خصوصًا أن أيّ تفاوض مع إسرائيل يثير نقاشات سيادية وسياسية. تعيين شخصية غير صداميّة ورصينة قد يساعد بتخفيف التوترات.في ظل تغيّرات إقليمية، يبدو أن الدولة اللبنانية مستعدة لخوض مسار تفاوضيّ جديد، ربما يتعلق بملفات جديدة أبرزها الحدود البرية، النقاط المختلف عليها على الخط الأزرق، أمن الحدود، أو ملف الغجر، وربما حتى ملفات الغاز البرّي أو المناطق المتنازع عليها سابقًا.السؤال الجوهري اليوم: كيف ستسير المفاوضات؟ الإجابة ليست بسيطة، لكنها تستندُ إلى مجموعة عوامل فلبنان لا يعترف سياسيًا بإسرائيل، ولا يقبل التفاوض المباشر العلني. من المتوقّع أن يجري التفاوض تحت مظلة الأمم المتحدة ممثلة باليونيفيل في الناقورة، ومن خلال الوساطة الأميركية. أما الملفات المطروحة فمن أبرزها: ملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وإن كان مرتبطًا بسوريا، إلا أنّ إسرائيل تستثمره في تفاوضها مع لبنان.لبنان يدخل مرحلة جديدةتعيين سيمون كرم قد يساعد على تخفيف حساسيات داخلية، لكنه لا يلغي الحاجة لتفاهم أوسع والانتقال من التفاوض التقني،وهذا النمط يحظى بتوافق دولي، ويقلّل من حساسية التفاوض. لكن السؤال الذي يطرح هو: إلى أين ستصل هذه المفاوضات؟قبل الإجابة، لا بدّ من توافر الشروط التالية:التزام إسرائيل بالمسار التقنيّ قبل طرح أيّ مسار سياسي.جدية الوسيط الأميركي وحياديته.قدرة لبنان على المحافظة على التماسك الداخلي.من ضمن هذا المسار، قد يتم الحديث عن تقدم في المفاوضات. وفي هذا السيناريو، قد يُنجز اتفاق لتثبيت الحدود البرية، أو لضبط الإشكالات المتكررة.ماذا عن احتمال توقف المفاوضات؟هذا الاحتمال وارد في حال حصل تصعيد عسكري كبير أو تبدلت الحسابات الإقليمية، كما حصل مرات عديدة سابقًا.في المحصلة لبنان يدخل مرحلة جديدة من التفاوض مع إسرائيل، لكن مع إدراك كامل أن التفاوض ليس مكافأة، ولا خيانة، بل أداة ديبلوماسية لإدارة النزاعات. تعيين السفير سيمون كرم خطوة تعكس رغبة في التعامل الدبلوماسي الرصين مع ملف شديد الحساسية.ومع أن الطريق طويلة ومعقّدة، إلا أن التجارب السابقة، من هدنة 1949 إلى ترسيم 2022 تُظهر أن التفاوض ممكن عندما تتقاطع الإرادة اللبنانية مع ظرف إقليمي مناسب، لكن الثابت أن لبنان يتجه "إلى المفاوضات دُرّ"، مسلحًا بالخبرة، وبحاجةٍ متزايدة لترتيب حدوده واستعادة سيادته على كامل أراضيه.۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
