أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الجديدة، وجاءت في 33 صفحة لتحدد أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال المرحلة المقبلة، لتؤكد على تعزيز الوجود العسكري الأميركي في نصف الكرة الغربي لمواجهة الهجرة غير النظامية وعمليات التهريب، إضافة إلى التصدي لتنامي نفوذ الصين وروسيا في المنطقة.إستراتيجية ترامب الجديدةتعتبر الوثيقة أن الأمن الحدودي هو العنصر الأساسي للأمن القومي، مشيرة إلى أن المساعدات والتحالفات الأميركية ستُربط بتقليص النفوذ الخارجي المعادي والسيطرة على الأصول الإستراتيجية.وتتضمن الإستراتيجية إشارات إلى القيم التقليدية والهوية الغربية داعية إلى دعم الأسر التقليدية واستعادة "الصحة الروحية والثقافية" في الداخل الأميركي، فيما تختتم بتصوير ترامب في دور "رئيس السلام" عبر دبلوماسية غير تقليدية.وكشفت عن توجه جديد لترامب يقوم على إعادة تركيز أولويات واشنطن نحو مناطق ترتبط مباشرة بمصالحها، خصوصا أميركا اللاتينية وملف الهجرة، مع إعادة صياغة دورها في الشرق الأوسط.وتؤكد الإستراتيجية أن العلاقات مع دول الشرق الأوسط ستعتمد على جذب الاستثمارات المالية والتكنولوجيا، والدفع باتجاه إصلاحات سياسية أو ديمقراطية عبر ضغوط أميركية بدلا من سياسات تغيير الأنظمة التي اتبعتها إدارات سابقة.
وأوضحت أن مفتاح العلاقات الناجحة مع الشرق الأوسط يكمن في قبول المنطقة وقادتها وشعوبها كما هي، والعمل المشترك في مجالات الاهتمام المتبادل.لكن التساؤلات التي أثيرت مؤخرا، هي حولتأثير الإستراتيجية الجديدة على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
انكفاء تكتيكيوفي هذا السياق، قال الخبير الأمني والمحلل الإستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة تقوم على مرجعية "أميركا أولا"، ما يعني في جوهرها انكفاء وتراجعا عن أنماط التدخل العسكري المباشر التي كانت سائدة سابقا، دون أن يشكل ذلك تخليا كاملا عن أدوارها في الشرق الأوسط.
وأوضح الرداد خلال حديثه لمنصة "المشهد" أن واشنطن ستواصل علاقاتها الوثيقة مع السعودية والإمارات ككتلة خليجية رئيسية إضافة إلى مصر وتركيا، مستفيدة من حالة المرونة والتحالفات القائمة مع هذه القوى، فضلا عن الأردن وقطر اللتين حصلتا على عضوية خاصة في حلف الناتو بدعم أميركي وأوروبي.
محاصرة إيرانوأشار الرداد إلى أن موازين القوى لن تتغير كثيرا، حيث ستواصل الولايات المتحدة تحالفاتها مع هذه التكتلات الرئيسية مقابل استمرار محاصرة إيران.
وبيّن أن الضربات التي تعرضت لها إيران إلى جانب نتائج 7 أكتوبر، أضعفت حلفاءها ووكلاءها في المنطقة، خصوصا بعد سقوط النظام السوري وتراجع قوة "حزب الله".
وأضاف الرداد أن الأوضاع الاقتصادية المتردية والخلافات الداخلية جعلت إيران أقل قدرة على استثمار أوراقها الإقليمية كما في السابق، ما يدفع واشنطن إلى المراهنة على إستراتيجية احتواء طويلة الأمد لإجبارها على تقديم تنازلات رغم محاولاتها تعزيز التعاون مع الصين وروسيا.وأوضح أن الاتفاق الذي رعته الصين بين الرياض وطهران خلال فترة إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لا يزال قائما رغم الخروقات الإيرانية، مشيرا إلى أن دول الخليج تضع في حساباتها أي مصالحة أميركية مع إيران مع الحرص على ألا تكون على حساب مصالحها المباشرة.
توازنات عسكرية
وفيما يتعلق بالتوازنات العسكرية، أكد الرداد أن الإستراتيجية الأميركية الجديدة ستواصل ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي.
أما بالنسبة لحلفاء واشنطن في المنطقة، وخصوصا دول الخليج، فقد أشار إلى أن القيود التي كانت قائمة في عهد إدارة بايدن والديمقراطيين على صفقات الأسلحة لم تعد قائمة، بل جرى تعزيز اتفاقيات الدفاع الإستراتيجي المشترك.
واعتبر أن وجود قواعد عسكرية أميركية في قطر والأردن إضافة إلى التحالف مع مصر وتركيا، يضمن بقاء إيران قوة أضعف أمام هذه التكتلات حتى دون الحاجة إلى استخدام القوة العسكرية بشكل مباشر، حيث يكفي وجود مظلة ردع أميركية واسعة.
وتحدث الرداد عن موقع تركيا في هذه المعادلة، موضحا أنها باتت تحسب كحليف إستراتيجي بعد تراجع مشروع "العثمانية الجديدة" وسقوط نظام الأسد في سوريا، حيث شهدت علاقاتها مع الدول العربية، خصوصا الخليجية والأردن ومصر، تنسيقا عاليا وإغلاقا لعدد من الملفات الخلافية مثل ملف "الإخوان".
ورغم وجود بعض التباينات، أكد أن أنقرة ستبقى قوة متحالفة مع الموقف العربي، مدفوعة باعتبارات اقتصادية وسياسية وارتباطها بجوارها العربي وشمال إفريقيا.دعم ثابت لإسرائيل
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد الرداد أن العنوان الرئيس هو استمرار الدعم الأميركي لإسرائيل، مشيرا إلى أن إدارة ترامب ستواصل الاستجابة لمواقف عربية تقودها الإمارات والسعودية والأردن ومصر، خصوصا في ما يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة ووضع خطة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وأضاف أن خطة ترامب تتضمن دورا متناميا للسلطة الفلسطينية وإن كان مشروطا بإصلاحات داخلية تتعلق بالفساد والديمقراطية ومكافحة الإرهاب، وهو ما قد يوفر أرضية أوسع للدول العربية لدعم القضية الفلسطينية.
وحول الملف اليمني، أوضح الرداد أن واشنطن تنظر إلى "الحوثيين" باعتبارهم أحد أدوات إيران في المنطقة، على غرار "حزب الله" و"حماس" و"الحشد الشعبي" في العراق.
وشدد على أن الاهتمام الأميركي يتركز على ضمان أمن الممرات البحرية أكثر من الانخراط في تفاصيل الصراع الداخلي، مشيرا إلى الاتفاق الذي أبرم لوقف إطلاق النار بين "الحوثيين" ووقف الهجمات في البحر الأحمر مقابل وقف عمليات القرصنة على التجارة الدولية، رغم بعض الخروقات.
الإرهاب والتنافس الدولي
أما بالنسبة لشمال إفريقيا، فقد اعتبر الرداد أن ملف الإرهاب سيبقى محوريا، خصوصا مع وجود تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة" في مالي والجزائر.
وأضاف أن قرار إدارة ترامب بوضع جماعة "الإخوان" على قائمة الإرهاب سيشكل عنوانا بارزا في التعامل الأميركي مع المنطقة.
وأكد أن هذا التوجه سيكون مرتبطا أيضا بالتنافس الأميركي - الصيني ومحاولة تحجيم النفوذ الروسي في دول الصحراء وغرب إفريقيا، ما يجعل شمال القارة السمراء ساحة جديدة للصراع الدولي.(المشهد)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
