كانت هناك عينٌ على الدوحة وأخرى على واشنطن أمس الجمعة.حمّى كأس العرب 2025 لكرة القدم آخذة في فرض نفسها أكثر فأكثر في "ملتقى الجماهير"، سوق واقف، قلب العاصمة القطرية، حيث يعبق المكان بالتراث والتاريخ قبل أن تذوب الحدود بـ"مشيرب داونتاون" الفارهة بمبانٍ تحاكي المستقبل والحداثة.هناك، في تلك البقعة، تُستكمل حالة اندماج العالم العربي رغم تنوّع الأعلام المحمولة بفخر أو تلك التي اتُخذ منها رداءً ثانياً. لا يكترث المشجع بمن حضر لتمثيل منتخب بلاده وبمن غاب طالما أن شعار الوطن مدموغ على قميص وطني.في غمرة "الوحدة الأخوية" في الدوحة، وإن بطابع تنافسيّ شريف، كانت واشنطن توزّع الدول العربية على مجموعات مختلفة بموجب قرعة "فاخرة وترفيهية" تبشّر بكأس عالم "ضبابية على المستوى الفني" نتيجة مشاركة 48 منتخباً للمرة الأولى بعدما كان العدد مقتصراً على 32.ممّن حضر إلى الدوحة من المنتخبات العربية الـ16، ثمة 7 عاشت هاجس قرعة المونديال فيما بقي واحد رهن "لائحة الانتظار".تعادلٌ كافٍما لفت كل من تواجد في قطر خصوصاً أنّ عدداً من المنتخبات الضامنة حضورها في كأس العالم، لم يقدم ما يشفع له في "العرس العربي". قطر وتونس حجزتا بطاقتين مؤهلتين إلى المونديال، غير أنّهما لا تملكان مصيرهما بيديهما في كأس العرب. في الجولة الثالثة الأخيرة من منافسات المجموعة الأولى، يكفي تعادُل سوريا وفلسطين أن يضعهما معاً في ربع النهائي، ويقصي "العنابي" و"نسور قرطاج".قطر جاءت في المجموعة الثانية إلى جانب كندا التي تتشارك بالاستضافة مع الولايات المتحدة والمكسيك، سويسرا والمتأهل من الملحق الأوروبي (إيطاليا أو إيرلندا الشمالية أو ويلز أو البوسنة والهرسك). ارتاح بال المدرب الإسباني خولين لوبيتيغي. ليس كثيراً. الإقصاء المبكر من كأس العرب قد يهدد موقعه على رأس الإدارة الفنية لبطل كأس آسيا في النسختين الأخيرتين (2019 و2023).تونس وقعت في المجموعة السادسة التي ضمت هولندا واليابان والمتأهل من الملحق الأوروبي (أوكرانيا أو السويد أو بولندا أو ألبانيا). المدرب سامي طرابلسي يتعرض حالياً لحملة قاسية من الجماهير في بلاده بسبب النتائج المحبطة في "العرس العربي". وزّع اهتماماته بين ثلاث جبهات: كأس العرب التي صرح بأن الهدف يتمثل في العودة بها من الدوحة إلى تونس. قرعة كأس العالم التي جاءت متوازنة. كأس إفريقيا التي يخوض غمارها ابتداءً من 21 ديسمبر الجاري.غزو الجماهيرمنتخب الأردن، الذي تغزو جماهيره الدوحة خلال كأس العرب، فرض نفسه منذ نهائي كأس آسيا 2023 في مقام متقدم وأصبحت مواجهته تستوجب مقاربة مختلفة عما كان عليه الحال في السنوات الماضية. خير دليل التأهل المباشر لـ "النشامى" إلى المونديال وتأهله إلى ربع نهائي كأس العرب.الأردن اصطدم بمنتخب عربي آخر، الجزائر، في مجموعة واحدة (العاشرة) مع الأرجنتين والنمسا في موندياله الأول. مهمة معقدة. لذا، ثمة حاجة لترك بصمة عربية قبل التفرغ للمهمة الأسمى."محاربو الصحراء" متواجدون في الدوحة مع رغبة بالاحتفاظ باللقب قبل التوجه إلى المغرب حيث تقام بطولة كأس إفريقيا. ليس المنتخب الأول الذي يقوده البوسني - السويسري فلاديمير بيتكوفيتش، بل ما جرى اعتباره المنتخب الرديف الذي يتولى قيادته مجيد بوقرة.منتخب المغرب، مدعوماً بجماهير لا تُحصى ولا تُعد في قطر، تغلب على جزر القمر 1-3 وتعادل مع عمان صفر-صفر. اقترب من بلوغ ربع النهائي. تنتظره تحديات كبرى في كأس العالم بعدما وقع في المجموعة الثالثة إلى جانب البرازيل، هايتي واسكتلندا. لم تعد المشاركة في المونديال هدف "أسود الأطلس" بل محاولة للذهاب أبعد من احتلال المركز الرابع، كما حصل في نسخة "قطر 2022". قبل كل ذلك، ثمة ضرورة لترسيخ زعامة عربية ولمَ لا قارية في بطولة تستضيفها المغرب.التفريط باللقب العربي سيضع المنتخب المغربي في موقف محرج بعدما رفع سقف حضوره وبات مطالباً دائماً بالفوز، خصوصاً أنه الأعلى قيمةً سوقيةً (قيمة لاعبيه مجتمعين) في الدوحة بـ 342 مليون يورو، متقدماً بفارق كبير على الإمارات (48)، السعودية (31)، تونس والجزائر (25)، قطر (18)، العراق (13)، مصر (11)، سوريا (9) والأردن (8).زحف أحمرمصر تشارك بمنتخب رديف إن صح التعبير. لا مشكلة. الزحف الأحمر يفرض نفسه دائماً في ملاعب قطر، وأي ملعب في العالم. جماهير تترقب الاختبار الأفريقي. جاء "الفراعنة" في المجموعة السابعة التي تضم بلجيكا، إيران ونيوزيلندا، في كأس العالم.منتخب السعودية كان أول المتأهلين إلى ربع نهائي كأس العرب. غريبٌ جمهوره العاشق. ملأ المكان في الدوحة. يسعى الفريق لاسترجاع ثقته به بعدما تأخر في بلوغ نهائيات كأس العالم. "الأخضر" وقع في المجموعة الثامنة مع إسبانيا والرأس الأخضر والأوروغواي في المونديال.أما العراق الذي بدأ "العرس العربي" بفوز على البحرين 1-2 وسط دعم جماهيري لا يوصف، فهو ينتظر الفائز من مباراة سورينام وبوليفيا، ليلتقيه في نهائي الملحق العالمي. إن كتب له الفوز، سيلتحق بالمجموعة التاسعة التي تتواجد فيها فرنسا والسنغال والنروج.تعيش دول العالم العربي خلال كل نسخة من كأس العالم اختباراً شيّقاً. مناسبة فريدة. تتابع شعوبها المنتخبات العربية بشغف على اعتبار أنها ممثلتها الشرعية بحكم القواسم المشتركة. وكم كانت فخورة بـ "الجزائر 1982"، "السعودية 1994"، وخصوصاً "المغرب 2022".في كأس العرب، غضّت العين النظر قليلاً عن الدوحة. خطفت نظرة من واشنطن، استعداداً لما هو قادم. لكن يبقى اليوم ملكاً لصاحبه، وعلى المرء عيش اللحظة قبل الانطلاق نحو أدغال "القارة السمراء"، والتركيز في كأس عالم تبدو بعيدة نوعاً ما.الحضور في الدوحة لا يأبه بمواعيد لاحقة. يعيش لذة "المسألة المحلية". الجماهير العابرة في مشيرب وسوق واقف ما زالت تجوب المكان مفتخرةً بوطنية واضحة. كأس إفريقيا وكأس العالم؟ لا تبدوان مسائل آنية على محيّى من هم معنيّون بها. واقع الحال "كل شيء في وقته... حلو".۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
