تعكس ميزانية المغرب لعام 2026 توجهاً إصلاحياً يجمع بين تعزيز دينامية النمو وتوسيع البرامج الاجتماعية، في مسار يستهدف معالجة مطالب الشارع وتحسين خدمات الصحة والتعليم.
تلك الميزانية التي تبلغ 761.3 مليار درهم (83 مليار دولار)، بزيادة 5.5% عن 2025، وبعجز متوقع 49 مليار درهم (يعادل 5.3 مليار دولار)، يراها خبراء اقتصاد مغاربة تحدثوا لـ«إرم بزنس» أنها تطرح أولويات تسعى لتنفيذها، لكن تصطدم بأمرين الأول إجراء انتخابات تشريعية وبلدية متوقعة في سبتمبر 2026، والجفاف المتصاعد منذ سنوات.
ووفق وثيقة نشرتها وزارة الاقتصاد والمالية عبر موقعها الإلكتروني لميزانية عام 2026 يتوقع تحقيق معدل نمو يناهز 4.6%، مع التحكم في معدل التضخم في حدود 2% ، وتخصيص 20 مليار درهم لبرنامج أولي يسرع الإجراءات ذات الأثر الاجتماعي، أما الحماية الاجتماعية، فخصص المشروع 41.5 مليار درهم لورش تعميم الحماية الاجتماعية. ويتضمن ذلك إجراءات ملموسة لدعم الأسر؛ أبرزها الرفع من قيمة التعويضات العائلية للأطفال (من 200 درهم إلى 300 درهم) وللأيتام (من 350 درهماً إلى 400 درهم) في أفق 2026.
ويرتكز مشروع قانون المالية لسنة 2026 على فرضيات «ماكرو» اقتصادية تتمثل في نمو بنسبة 4.5%، وتضخم لا يتجاوز 2%، وسعر برميل نفط برنت في حدود 65 دولاراً، وسعر صرف يبلغ 10.007 درهم للدولار الواحد، وهي توقعات تعكس توجهاً نحو الاستقرار في ظل بيئة دولية تتسم بعدم اليقين الجيوسياسي، حسبما ذكر موقع مجلس النواب.
الدرهم المغربي 2025.. من الهبوط المبكر إلى صعود أربك التوقعات
أولويات كبرى
وعلى هذا النحو ترتكز مقومات قانون المالية المغربي لـ 2026 على أولويات كبرى تشمل تعزيز «الدولة الاجتماعية» عبر الاستثمار في الصحة والتعليم (بزيادات ملحوظة بالميزانية) ودعم التشغيل، وتسريع الإصلاحات الاقتصادية (ميثاق الاستثمار، الشراكة بين القطاعين العام والخاص)، وفق ما يرى الخبير الاقتصادي المغربي، إدريس العيساوي في حديث لـ«إرم بزنس».
وتشمل الأولويات أيضا، بحسب العيساوي، «تنمية الأقاليم (برامج قروية ومجالية) وتحقيق الاستقرار الماكرو اقتصادي (نمو 4.5%، تضخم 2%، إلى أساس أسعار نفط 65 دولاراً)، مع التركيز على التنمية البشرية والعدالة المجالية لمواجهة تحديات ما بعد الجفاف وتعزيز النمو الشامل والمستدام».
والأولويات الرئيسية للميزانية تتلخص في زيادة ميزانيات القطاعين لتمويل الإصلاحات وتأهيل المؤسسات وتوظيف موارد بشرية، خاصة في المناطق القروية، وتوسيع نطاق الدعم المباشر للأسر والأطفال، مع تفعيل آليات جديدة للدعم حسب الحاجة ومواصلة تنزيل الميثاق الجديد للاستثمار، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي.
ويضاف لتلك الأولويات إطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية المندمجة لتأهيل الأقاليم وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية، ورقمنة الإجراءات الإدارية، خاصة في الصفقات العمومية، وتحسين تدبير الموارد البشرية.
ولتعزيز تلك الأولويات ستكون مجالات الاستثمار الرئيسية في قطاعات مثل الطاقة، الاتصالات، السكن، الزراعة، الماء الصالح للشرب، الفوسفات، الطرق السريعة، ودعم البنية التحتية المحلية، بحسب الخبير الاقتصادي المغربي إدريس العيساوي.
لكن تلك الأولويات أمام تحديات تشمل تحقيق التوازن بين ضبط المالية العامة وتمويل الإصلاحات الاجتماعية والنمو، بخلاف مواجهة التحديات المناخية (الجفاف) وتأثيرها على القطاع الفلاحي، والاستجابة للمطالب الاجتماعية وتأهيل البنية التحتية تحضيراً للمونديال في 2030، بحسب العيساوي.
ويحاصر الجفاف اقتصاد المملكة منذ 7 سنوات، حيث شهدت احتياطيات المياه السطحية في المغرب تراجعاً بنسبة 75% خلال العقود الأربعة الماضية، حيث انخفضت من 18 مليار متر مكعب سنوياً في الثمانينيات إلى حوالي 5 مليارات متر مكعب فقط حالياً.
منطقة سيدي اليماني قرب ميناء طنجة المتوسط، المغرب.
المصدر: وكالة الأنباء المغربية.
ومع موجة جفاف امتدت إلى 7 سنوات متتالية، ودرجات حرارة مرتفعة، استمرت وتيرة تبخر مياه السدود، حيث بلغ معدل التبخر، خلال السنوات الخمس الأخيرة، نحو 530 مليون متر مكعب سنوياً، بحسب معطيات وزارة التجهيز والماء.
فرص النمو وتحدي الانتخابات
وفي سياق متصل، يرى رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، الخبير الاقتصادي المغربي رشيد الساري، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن الحديث عن معدل النمو في الميزانية الجديدة للمغرب يشير إلى أن هناك استثمارات ضخمة سيتم ضخها، ومن ثم يمكن تحقيق هذا المعدل.
وأشار إلى أن تخصيص نحو 20 مليار درهم لدعم مشاريع الدولة الاجتماعية ومواجهة هشاشة بعض الأسر، يقول «إننا نسير نحو بناء اقتصاد ودولة اجتماعية».
ورغم المعدلات التي يراها الساري يمكن تحقيقها إلا أنه يطرح سؤالاً يراه مهماً: «كيف سيتم تنفيذ كل هذه الخطط الطموحة والمعدلات الجيدة بينما البلاد على أبواب انتخابات، هل سيمكن إنجاز كل هذا؟ وهل هذه دعاية للحكومة في الانتخابات أم هي بالفعل تنفيذ لتوجيهات الملك محمد السادس بمحاربة الهشاشة والسير بسرعة واحدة نحو التنمية؟».
ويجيب الساري أنه إذ تم تحقيق نسبة 75% مما تسطره الميزانية هذا العام فهو سير في الاتجاه الصحيح نحو بناء الدولة الاجتماعية بشكل متميز وتحقيق أهداف اقتصادية بشكل ناجح.
المغرب يستثمر مليار دولار في إنشاء مركز لاستيراد الغاز الطبيعي المسال
أرقام
وفي 15 نوفمبر الماضي، صادق مجلس النواب المغربي خلال جلسة تشريعية، بالأغلبية على مشروع قانون المالية للسنة 2026، بموافقة 165 نائباً ومعارضة 55 نائباً، دون تسجيل أي حالة امتناع عن التصويت.
وقدمت وزارة المالية المغربية في أكتوبر للبرلمان مشروع موازنة عام 2026 بقيمة إجمالية تبلغ 761.3 مليار درهم (83 مليار دولار)، بزيادة 5.5% عن العام الماضي، وتحمل الميزانية 140 مليار درهم (15 مليار دولار)، مخصصة أساساً لقطاعي الصحة والتعليم بزيادة 21 مليار درهم (أكثر من ملياري دولار)، مقارنة بموازنة عام 2025، بنسبة تقارب 16% وفق تقديرات رسمية.
وقالت الحكومة إنها تتوقع تقلص العجز المالي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026، مقارنة مع 3.5% هذا العام، حيث تواصل عوائد الضرائب المرتفعة تعويض زيادة الإنفاق العام في الاستثمارات.
وتأتي تلك المعدلات المحتملة، عقب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في سبتمبر الماضي للمطالبة بإصلاح قطاعي الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية أطلقتها مجموعة شبابية رقمية وكذلك بعد احتجاجات في عدد من المدن والقرى بسبب تردي الخدمات الصحية وحالة التهميش.
وتعد ميزانية سنة 2026 آخر موازنة تضعها الحكومة الحالية التي تستكمل ولايتها نهاية العام المقبل مع التوجه لانتخابات تشريعية وبلدية متوقع إجراؤها في سبتمبر 2026.
ويصنف المغرب ضمن الدول التي تعاني من الإجهاد المائي، وتراجعت حصة الفرد من المياه إلى أقل من 650 متراً مكعباً سنوياً، مقارنة بـ2600 متر مكعب في ستينيات القرن الماضي، ومن المتوقع أن تنخفض إلى نحو 540 متراً مكعباً بحلول سنة 2040.
وسجلت المملكة، العام 2024، عجزاً مطرياً متوسطاً بنسبة 24.8%، فيما بلغ متوسط الانحراف الحراري على الصعيد الوطني +1.49 درجة مئوية مقارنة بالمعدل المناخي المرجعي للفترة 1991-2020، وهو أعلى رقم يُسجل في البلاد.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

