يراهن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على أن تدشن زيارته إلى سلطنة عُمان، الأسبوع المقبل، محطة جديدة في علاقة ثنائية تمتد 7 عقود، وتجسيد التزامات سابقة من الجانبين بالسعي إلى تطوير مستوى التواصل الرسمي خلال السنوات الأخيرة.
تأتي الزيارة في سياق حراك دبلوماسي متصاعد، شهد سلسلة من اللقاءات الوزارية واللجان المشتركة التي ركزت على ملفات اقتصادية وتجارية ودفاعية يجري العمل على تطويرها بصورة منهجية.
وتحظى الزيارة بأهمية خاصة لكونها الأولى لرئيس وزراء هندي إلى السلطنة منذ زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى نيودلهي العام 2022، وهي التي أعادت تنشيط عدد من ملفات التعاون الاقتصادي، ووضعتهما مجدداً ضمن أولويات العلاقات الثنائية. ومنذ ذلك الحين، سجّل الجانبان زيادة ملحوظة في الاجتماعات الفنية والاقتصادية، وتقدماً في صياغة برامج تعاون تغطي قطاعات متنوعة.
ارتفاع التضخم.. هل يجب أن تقلق سلطنة عمان؟ خبراء يجيبون
كما تعكس الزيارة انتقال العلاقات من إطارها التقليدي القائم على التبادل التجاري إلى مستوى تعاون أكثر شمولاً، يشمل: الخدمات اللوجستية، والتنسيق الدفاعي، وتنظيم حركة السلع والأفراد.
وتؤكد بيانات سفارة الهند في مسقط أن هذا التوسع جاء نتيجة تراكم اتفاقيات ثنائية واسعة تغطي مجالات، مثل: المدفوعات الرقمية، والطيران المدني، والنقل البحري، التكنولوجيا، وتجنب الازدواج الضريبي، والمعايير الفنية، بما يوفر بنية قانونية واضحة لإدارة التعاون الاقتصادي. وقد اتسع نطاق هذا الإطار، منذ العام 2008، مع إعلان الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، ليشكل الأساس المؤسسي الذي تتحرك عليه مباحثات المرحلة الحالية.
اتفاقية CEPA ومحورها الفني والاقتصادي
تُعد «اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة» (CEPA) من أبرز الملفات المطروحة خلال زيارة مودي، وفقاً لما نشرته صحيفة «إيكونوميك تايمز» (Economic Times)، التي أشارت إلى إحراز تقدم في جولات تفاوض تناولت موضوعات فنية، تشمل: الرسوم الجمركية، وقواعد المنشأ، وإجراءات النفاذ إلى الأسواق، إضافة إلى مناقشة العوائق التنظيمية المرتبطة بالتجارة.
وتؤكد التقارير الاقتصادية أن مناقشة الاتفاقية تأتي ضمن مراجعة أوسع للإطار القانوني الذي ينظم العلاقات الاقتصادية بين الهند وسلطنة عُمان، بما يتماشى مع حجم ومستوى التعاون الحالي. كما تشير المصادر ذاتها إلى أن مسودة الاتفاقية تتضمن بنوداً محددة، من بينها منح نحو 98% من المنتجات الهندية تسهيلات جمركية أو دخولاً دون رسوم إلى السوق العُمانية، إلى جانب تخفيف القيود المفروضة على قطاع الخدمات، وذلك في إطار توسيع نطاق النفاذ المتبادل إلى الأسواق.
وبحسب تقرير صحيفة «ذا هندو» (The Hindu)، بدأت المفاوضات، في نوفمبر 2023، وشهدت ثلاث جولات حتى مارس 2024 انتهت بالاتفاق على نص الاتفاقية وعروض النفاذ إلى الأسواق. كما خضعت الاتفاقية لمراجعات إضافية بعد تأجيل عرضها على مجلس الوزراء الهندي في مارس 2024، ما أدى إلى عقد جولتين جديدتين في سبتمبر 2024 ويناير 2025 لمراجعة العروض المنقّحة.
بيانات ترسم اتجاهات النمو
تظهر بيانات سفارة الهند في مسقط ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 10.61 مليار دولار في 2024 2025 مقارنة بـ 8.95 مليار دولار في العام السابق. وتشكل هذه الزيادة أحد المؤشرات الأساسية على توسع التعاملات الاقتصادية المباشرة، خاصة في القطاعات المرتبطة بالطاقة، والمنتجات الصناعية، والمواد الخام.
وتشمل الصادرات الهندية إلى عُمان منتجات صناعية، ومعدات ميكانيكية، وإلكترونيات، وحديد وفولاذ، ومنتجات زراعية، بينما تتركز الواردات من عُمان في النفط الخام والغاز الطبيعي والأسمدة والمواد الكيميائية.
كما توضح البيانات الرسمية وجود أكثر من 6000 مشروع مشترك بين شركات هندية وعُمانية داخل السلطنة، بإجمالي استثمارات تراكمية تُقدَّر بنحو 7.5 مليار دولار. ويعزز هذا الحجم من الاستثمارات مكانة عُمان كشريك استثماري مهم للهند، إلى جانب الاستثمارات العُمانية المباشرة داخل الهند، التي بلغت أكثر من 605 ملايين دولار حتى 2025.
رغم خلاف النفط.. ترامب يغازل مودي ويؤكد متانة الشراكة مع الهند
القطاع اللوجستي والموانئ
تشير تقارير إعلامية هندية إلى أن سلطنة عُمان منحت البحرية الهندية حق استخدام «ميناء الدقم» ضمن ترتيبات رسمية معلنة. ويعد الميناء أحد المواقع ذات الطابع الإستراتيجي في المنطقة، كما يستخدم في عمليات النقل والتخزين المرتبطة بالشركات الهندية العاملة في القطاعات البحرية واللوجستية.
ويأتي التعاون في مجال الموانئ ضمن علاقات قائمة منذ سنوات، حيث يمثل «الدقم» نقطة اتصال لوجستية يمكن الاستفادة منها في عمليات النقل البحري وربطها بحركة التجارة في المحيط الهندي. كما تؤكد بيانات السفارة أن التعاون البحري يشكل إحدى ركائز الشراكة، إلى جانب تنظيم اجتماعات منتظمة بين القوات الساحلية والجمارك في البلدين.
الجالية الهندية كمكوّن اقتصادي واجتماعي
تفيد البيانات الرسمية أن الجالية الهندية في سلطنة عُمان تشكل إحدى أكبر الجاليات الأجنبية في البلاد، حيث يعمل أفرادها في قطاعات متنوعة، تشمل: التجارة، الصحة، الخدمات، والتعليم. ويبلغ عددهم نحو 676 ألف شخص حتى أغسطس 2025 وفق الإحصاءات العُمانية.
وتوضح التقارير الصادرة عن الحكومة الهندية أن أفراد الجالية يلعبون دوراً في تسهيل التواصل الاقتصادي بين الشركات في البلدين، من خلال خبراتهم ومواقعهم المهنية. كما تمثل المدارس الهندية، والنوادي الاجتماعية، والمبادرات الثقافية، جسوراً إضافية تسهم في دعم العلاقات الثنائية.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس
