هل وصلت أوروبا إلى نقطة اللاعودة في صراعها التجاري مع الصين؟

يدفع اتساع الفجوة التجارية بين الصين وأوروبا بالعلاقات الاقتصادية بين الجانبين نحو مسارٍ تصادمي، إذ وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الاختلال بأنّه «لا يُحتمل»، معتبراً أنّه بات «مسألة حياة أو موت للصناعة الأوروبية».

في السياق ذاته، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن علاقات التكتل مع الصين «بلغت نقطة تحوّل حاسمة».

ويستعدّ الاتحاد الأوروبي لطرح حزمة من الإجراءات «المؤجّلة» لمواجهة هذا الخلل، تشمل إنشاء مركزٍ للأمن الاقتصادي، ووضع شروطٍ على الاستثمارات الوافدة، مثل نقل التكنولوجيا واستخدام المحتوى المحلي وسلاسل القيمة الأوروبية.

بحسب تقديرات اقتصاديين، قد تمتدّ تداعيات صادرات الصين إلى التأثير على ما يقرب من ثلث الوظائف في منطقة اليورو، أي أكثر من 50 مليون وظيفة، فيما قد يُخصم 0.2 نقطة مئوية أو أكثر من نمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا بدءاً من العام المقبل وحتى 2029.

فائض قياسي مع أوروبا

تجلّت حدّة الاختلال في الأيام الأخيرة بعد إعلان بكين أنّ فائضها التجاري مع الاتحاد الأوروبي اتّسع إلى مستوى قياسي يقترب من 300 مليار دولار في 2025.

وباتت قيمة صادرات الصين إلى أوروبا أكثر من ضعف وارداتها، مع إعادة توجيه الشركات الصينية لبضائعها التي تواجه رسوماً أميركية نحو السوق الأوروبية بسحب تقرير لوكالة «بلومبيرغ».

«غولدمان ساكس»: اليوان الصيني مُقدّر بأقل من قيمته الحقيقية بنحو 25%

وقال أندرو سمول، مدير برنامج آسيا في «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إنّ «صدمة الصين في أوروبا بدأت بالفعل»، مضيفاً أنّ الأشهر الأخيرة شهدت «مستوى أعلى بكثير من الاستنفار» داخل دوائر القرار الأوروبي، بما في ذلك اجتماعات طارئة خلف الأبواب المغلقة.

أشار إلى أنّ ذلك قد يقود إلى أكبر مراجعة لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه بكين منذ عقد، بعد سنواتٍ من انشغال التكتل بالحرب في أوكرانيا ورسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

خطط أوروبية مضادّة

كانت المفوضية الأوروبية قد كشفت هذا الشهر عن خطةٍ لحماية الصناعات المحلية من المنافسة الشرسة مع الولايات المتحدة والصين، واقترحت أيضاً إنشاء «مركز للأمن الاقتصادي» للتعامل مع التوترات التجارية ومواجهة تدفّق السلع الرخيصة إلى السوق الموحّدة.

ومن المتوقّع أيضاً أن تضع بروكسل شروطاً جديدة على الاستثمارات الأجنبية الواردة، تشمل نقل التكنولوجيا واستخدام سلاسل توريد محلية.

«النقد الدولي» يرفع توقعات النمو في الصين إلى 4.5% في 2026

ويأتي هذا بينما تتجه اقتصادات كبرى أخرى نحو تعزيز الحواجز التجارية، إذ أقرّ المشرّعون في المكسيك هذا الأسبوع رسوماً جديدة على الواردات الآسيوية.

عملة رخيصة تُغذّي الصادرات

يرى اقتصاديون أنّ أحد مصادر القوة الرئيسية للصادرات الصينية هو اليوان «المنخفض القيمة»، الذي جعل البضائع الصينية أرخص نسبياً، ما أدّى إلى تراجع واردات الصين وتضخّم صادراتها. وقد هبط اليوان هذا العام إلى أدنى مستوى مقابل اليورو منذ عقد، رغم الفائض الضخم لصالح بكين.

وقال ينس إسكيلوند، رئيس «غرفة التجارة الأوروبية في الصين»، إنّ «اليوان المُقوّم بأقلّ من قيمته الحقيقية يُشكّل بمثابة دعمٍ مباشر للصادرات الصينية»، مشيراً إلى أنّ الاستهلاك المحلي الصيني يتعرّض للكبح في المقابل.

الأعلام الأوروبية أمام مجلس الشؤون الاقتصادية والمالية التابع للاتحاد الأوروبي (ECOFIN) في مقر المجلس الأوروبي في بروكسل يوم 13 مايو 2025.

أضاف: «مقابل كلّ حاوية تُصدّرها أوروبا إلى الصين، تصل أربع حاويات من الصين إلى أوروبا»، مؤكّداً أنّ هذا الاختلال «يتّسع بوتيرة متسارعة».

صعود الصين في الصناعات المتقدّمة

تسارع فائض الصين مع أوروبا منذ جائحة كوفيد، إذ زاد الطلب العالمي على السلع مع تحوّل الناس إلى العمل والدراسة من المنزل. وفي الوقت نفسه، ارتقت الشركات الصينية سريعاً في سلاسل القيمة، ودخلت قطاعات أكثر تطوّراً مثل الأجهزة الطبية والسيارات الفاخرة.

ومع استمرار ركود واردات الصين وعودة زخم صادراتها، باتت العلاقة التجارية أكثر اختلالاً. فالصين تشتري 7% فقط من صادرات الاتحاد الأوروبي، لكنها توفّر نحو ربع وارداته من خارج التكتل.

بات الفائض التجاري للصين مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يُشكّل ثلث فائضها التجاري العالمي الذي تخطى للمرة الأولى تريليون دولار.

مسؤول: الصين ستواصل فتح أسواقها الضخمة أمام العالم

ألمانيا الخاسر الأكبر

تُعدّ ألمانيا مركز الزلزال التجاري الحالي. فبعد أن سجّلت الصين عجزاً بقيمة 25 مليار دولار في تجارتها مع أوروبا في 2019، تحوّل هذا إلى فائض بقيمة 23 مليار دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الحالي، نتيجة انهيار وارداتها من أوروبا.

وتواجه الصناعة الألمانية ضغوطاً كبيرة، إذ تُظهر بيانات «ديستاتيس» أنّ الشركات قلّصت أكثر من 10 آلاف وظيفة شهرياً خلال السنة، بينما خفّض المستشار فريدريش ميرتس توقّعات النمو للعام المقبل إلى أقل من 1%.

تدفّق السلع الرخيصة يتواصل

لا يقتصر التفوّق الصيني على السيارات الكهربائية والمنتجات التقنية، بل يمتدّ إلى الملابس والسلع الاستهلاكية الرخيصة. فقد قفزت شحنات الطرود منخفضة القيمة من المواقع الإلكترونية مثل «شي إن» و«تيمو» بنسبة 56% خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، مقارنة بالفترة نفسها من 2024.

فيما حذّرت «غرفة التجارة الأوروبية» من أنّ هذا الارتفاع السريع قد يمنح بكين شعوراً زائفاً بأنّ سياستها القائمة على «الأمن والاكتفاء الذاتي» قابلة للاستمرار، بينما تستفيد من هيمنتها التجارية العالمية.

تصعيد تجاري مرتقب

مع تزايد الضغوط، تتوقّع خبيرة التجارة الأميركية السابقة ويندي كاتلر أن «تلجأ الدول الأوروبية إلى استخدام أدوات قائمة، مثل رسوم مكافحة الإغراق، وابتكار أدوات جديدة للتعامل مع وضعٍ صار غير قابلٍ للاستدامة».

أضافت: «قد نشهد خلال العام المقبل خطواتٍ أوروبية إضافية للحدّ من الواردات الصينية».


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

منذ 6 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 6 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 18 ساعة
فوربس الشرق الأوسط منذ 7 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 10 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 11 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 21 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 4 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ ساعتين