كيف تجني العائلة المالكة البريطانية أموالها؟

خلف الأبواب المذهّبة والطقوس التي تعود لقرون، لا تعيش العائلة المالكة البريطانية على الأساطير وحدها، بل على منظومة مالية دقيقة تجمع بين الملكية الخاصة، والأصول التاريخية، وترتيبات مع الدولة. وعندما أعلن الأمير هاري وميغان ماركل في 2020 التخلي عن أدوارهما الملكية سعياً إلى الاستقلال المالي، عاد السؤال القديم إلى الواجهة وهو من أين تأتي أموال الملكية البريطانية فعلياً، وماذا يعني الانفصال عن هذا النظام؟

العقار.. حجر الأساس للثروة تشكل العقارات العمود الفقري لثروة العائلة المالكة، لكن ليست كل القصور متشابهة من حيث الملكية أو العائد.

بعض الممتلكات مملوك ملكية خاصة، وأخرى تدر دخلاً عبر دوقيات تاريخية، بينما تقع فئة ثالثة ضمن ما يُعرف بـ«أملاك التاج».

انتقلت قصور مثل بالمورال في اسكتلندا وساندرينغهام بالوراثة داخل العائلة منذ القرن التاسع عشر، وتبقى ملكاً خاصاً للملك حتى لو تخلى عن العرش.

في المقابل، تُستخدم مواقع مثل قلعة وندسور وسافوي تشابل في لندن لأغراض رسمية وسياحية، وتدر دخلاً غير مباشر عبر الفعاليات والزيارات.

الدوقيات.. دخل خاص بطابع تاريخي تمثل الدوقيات المصدر الأكثر استقراراً للدخل الخاص المرتبط بالدور الملكي، توفر دوقية لانكستر، التي تعود للقرن الرابع عشر، دخلاً مباشراً للملك بصفته ملكاً، وتشمل محفظة واسعة من الأراضي والعقارات والمشروعات التجارية. أما دوقية كورنوال، التي تمتد على نحو 130 ألف فدان، فهي مخصصة لولي العهد، وتدر دخلاً كبيراً من مزيج متنوع يشمل مزارع، وقلاعاً، ومساكن، وحتى منشآت رياضية.

كلا الدوقيتين تحققان سنوياً ما يزيد على عشرات الملايين من الدولارات، ما يجعلها شرياناً مالياً أساسياً للحياة الملكية اليومية.

أملاك التاج.. ثروة بلا ملكية مباشرة وهنا تكمن المفارقة الأكبر، تضم أملاك التاج بعض أشهر المعالم البريطانية، من قصر باكنغهام إلى برج لندن، إضافة إلى قاع البحار المحيطة بالمملكة المتحدة. ورغم أن قيمة هذه الأصول تُقدّر بمليارات الدولارات، فإن الملك لا يمتلكها شخصياً ولا يستطيع التصرف فيها.

تذهب العائدات إلى الخزانة العامة، مقابل حصول العائلة المالكة على تمويل سنوي يُعرف بالمنحة السيادية.

المنحة السيادية.. المال العام مقابل الواجب تعتبر المنحة السيادية هي الإطار المالي الذي ينظم علاقة المال العام بالمؤسسة الملكية، تُموَّل من عائدات أملاك التاج وتُخصص لتغطية نفقات المهام الرسمية، من السفر والأمن إلى رواتب الموظفين وصيانة القصور. تقارب قيمتها السنوية 80 مليون جنيه إسترليني، ولا تُعد دخلاً شخصياً للملك، بل ميزانية تشغيل لمؤسسة دستورية.

جذور الترتيب المالي الحالي يعود هذا النظام إلى القرن الثامن عشر، حين تسببت إسرافات ملوك من أسرة هانوفر في أزمات مالية متكررة، عام 1760 قرر الملك جورج الثالث التخلي عن عائدات أراضي التاج مقابل دخل ثابت من الدولة، في صفقة أنقذت الملكية من الإفلاس ورسّخت الفصل بين الثروة الخاصة والمال العام. الجدل الدائم.. من يدفع الفاتورة؟ ظل التمويل العام موضع نقاش، لكنه اشتد بعد حريق قلعة وندسور عام 1992، حين تبيّن أن القلعة غير مؤمَّنة. فتح الغضب الشعبي من تحميل دافعي الضرائب كلفة الترميم باباً واسعاً للتدقيق في نفقات العائلة المالكة، وهو جدل يتجدد مع كل تقرير سنوي للمنحة السيادية، خاصة عند الكشف عن مبالغ كبيرة خُصصت لتجديد مساكن ملكية.

هاري وميغان.. ماذا تركا فعلياً؟ قبل التخلي عن الأدوار الملكية، لم يكن اعتماد هاري وميغان على المنحة السيادية يتجاوز نسبة محدودة من دخلهما، بينما كان الجزء الأكبر يأتي من دوقية كورنوال لدعم أنشطتهما الرسمية. بخروجهما من المؤسسة، خسرا هذا التمويل العام، واحتفظا فقط بثروتهما الخاصة، بما في ذلك إرث هاري من والدته الأميرة ديانا، ودخل ميغان السابق من التمثيل.

العلامة الملكية.. القوة غير المكتوبة في الواقع، لا تستمد العائلة المالكة قوتها من سلطة تنفيذية، بل من علامة تجارية عالمية شديدة التأثير. تتحول حفلات الزفاف، والميلاد، وحتى الأزمات، إلى محتوى عالمي يدر عوائد سياحية وإعلامية ضخمة لبريطانيا.

يعتبر هذا البعد غير الملموس هو أحد أهم مبررات استمرار دعم المؤسسة الملكية، رغم القيود الصارمة المفروضة على أفرادها لمنع استغلال المكانة الملكية لتحقيق مكاسب خاصة.

الملكية البريطانية ليست ثروة شخصية خالصة ولا عبئاً عاماً صافياً، بل نظام اقتصادي سياسي معقّد يقوم على توازن دقيق بين التاريخ، والمال، والرأي العام. وما فعله هاري وميغان لم يكن مجرد انسحاب عائلي، بل خروجاً من منظومة مالية كاملة، بكل ما تحمله من امتيازات وقيود في آنٍ واحد.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 10 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 8 ساعات
قناة CNBC عربية منذ ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 4 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 3 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 8 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 10 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 9 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 6 ساعات