على مقهى صغير بميدان المطرية في القاهرة بالقرب من مسلة الملك سنوسرت الأول الفرعونية، اعتاد المرشح لمجلس النواب المصري عن دائرة المطرية محمد عبد الكريم زهران، الجلوس من الساعة الثالثة عصراً حتى السابعة مساءً يلتقي أهل دائرته ويستمع لشكواهم، ويخرج عليهم ببث مباشر كل يوم عبر صفحته بموقع "فيسبوك" في إطار تفاعله معهم.
بعد السابعة مساءً، يجوب الدكتور "زهران" - كما يُلقبه أهالي دائرته - شوارع الدائرة سيراً على الأقدام، يدخل المحلات والمقاهي والصيدليات يُسلم على أهلها ويستمع إليهم، تاركاً لهم "قُصاصة" صغيرة لا تتجاوز كف يده تحمل رمزه الانتخابي "الكف" وصورته ودعوى لانتخابه، في مشهد أصبح حديث الناس خلال الانتخابات.
محمد زهران، واحد من أربعة مُرشحين اشتهروا بين مواطني دوائرهم وعلى منصات التواصل الاجتماعية في مصر بلقب "مُرشح الغلابة". و"الغلابة" مصطلح مصري عامي يطلق على الطبقة الفقيرة البسيطة من المجتمع. فبجانب "زهران" برز اسم النقابي العمالي في مجال السياحة عبد الفتاح خطاب عن دائرة الهرم بالقاهرة، والباحث القانوني الشاب عماد الغلبان، والمُدرس بوزارة التعليم عماد العدل، في دائرتي ميت غمر والمنصورة بمحافظة الدقهلية.
مرشحون بإمكانات متواضعة يكسبون ثقة المواطنين يشترك المرشحون الأربعة في خوضهم الانتخابات على المقاعد "الفردية المُستقلة" بإمكانات محدودة، حيث جابوا دوائرهم على أقدامهم يوزعون دعايتهم المتواضعة، إلا أنهم تمكنوا من اكتساب مصداقية لدى ناخبيهم، للدرجة التي دفعت عشرات الشباب للتطوع في حملاتهم بالمجان.
وفق النتائج الرسمية للانتخابات، فقد نجح ثلاثة منهم وهم "زهران" و"الغلبان" و"خطاب" في الوصول لجولة الإعادة في ظل منافسة حادة مع ممثلي أحزاب "الموالاة" ممن أنفقوا أموالاً كبيرة في حملاتهم الانتخابية للجلوس تحت قبة البرلمان، لاسيما الأحزاب الثلاثة الكبرى "مستقبل وطن، وحماة وطن، والجبهة الوطنية".
ورغم حصول المرشح الرابع عماد العدل، على نسبة عالية من الأصوات في مؤشرات فرز المرحلة الثانية من الانتخابات، دفعت أهل دائرته لحمله على الأكتاف والاحتفاء به، إلا أن النتائج الرسمية للمرحلة الثانية أكدت خروجه من المنافسة.
وهو الأمر الذي رفضه "العدل"، مؤكداً في حديثه لـ DW، تقدمه بطعن إلى المحكمة الإدارية العليا؛ جراء ما رصده من تجاوزات في دائرته، مُطالباً الحصول على محاضر لجان الفرز التي لم يتسلمها أي من وكلائه حتى الآن، وفق حديثه.
وعلى الرغم من إبداء العدل، سعادته بحالة الدعم التي لاقاها من مواطني دائرته وتجاوبهم معه خلال لقائهم والاستماع إلى مشكلاتهم، إلا أنه يعتبر "المال السياسي" السبب الأكبر وراء خروجه من المنافسة.
أما المحامي الحقوقي المصري خالد علي، فيقول عبر صفحته الرسمية بمنصة "فيسبوك"، إن "مرشحي الغلابة تحدو كل الظروف وطافوا دوائرهم على أقدامهم يوزعون دعايتهم البسيطة، وما فعلوه بمثابة مُفاجأة كبيرة تحتاج دراسة وتحليل؛ كونهم تمكنوا من دخول الإعادة رغم انعدام الإمكانيات المادية، وشراسة المنافسين ومالهم السياسي".
لكن تبقى تجربة محمد زهران، هي الأكثر لفتاً للانتباه بين المرشحين الأربعة؛ فحينما أبدى رغبته في خوض الانتخابات لم يكن يملك رسوم الترشح والكشف الطبي البالغة 40 ألف جنيهاً مصرياً (722 يورو)، إلا أن أهالي دائرة المطرية أصروا على جمع المال المطلوب والتبرع به لدفعه نحو الترشح باسمهم.
دعوى قضائية من وزير بحق "زهران" عن ذلك يقول زهران لـ DW: "لست من أصحاب الأملاك وكُنت أعمل مع الشقيانين (الكادحين) مثلي في أراضي الغير لمساعدة أسرتي، استقبلني الجميع بالأحضان في شوارع وحارات وبيوت المطرية، جمع أهالي الدائرة المال، فمنهم من تبرع بـ 10 جنيهات وآخر بـ 100 جنيهًا، لأنهم يظنون بي خيراً".
يلفت زهران، إلى أن أهالي دائرة المطرية هم "أصحاب الفضل الأكبر عليه بعد الله"، بل يفخر بكونه "مُرشح الغلابة" و"ابن الشارع"، مُرجعاً شهرته بين الناس إلى تاريخه ومواقفه التي دفع ثمنها غالياً السجن والفصل من العمل سنتين.
يُعتبر الدكتور محمد زهران، أحد أبرز النقابيين المُعارضين لسياسات الحكومة في التعليم، وسبق وتولى رئاسة لجنة وضع مواد التعليم في دستور 2014، ورئاسة إدارة الموهوبين بإدارة المطرية التعليمية التابعة لوزارة التربية والتعليم، فضلاً عن رئاسته اللجنة النقابية للمعلمين في منطقة المطرية منذ عام 2011، وهو مؤسس تيار استقلال المُعلمين.
في الثامن من سبتمبر/ أيلول 2018، جرى القبض على "زهران" خلال تقدمه ببلاغ رسمي ضد وزير التربية والتعليم طارق شوقي - آنذاك - بإهدار المال العام بشكل عمدي، ورغم إخلاء سبيله بعدها بـ 18 يوماً، جرى إيقافه عن العمل لمدة تجاوزت العامين، وفق حديثه مع DW. وسبق وأصدرت محكمة جنايات القاهرة، في فبراير/ شباط 2020، حُكماً بحبسه 6 أشهر في دعوى مقامة ضده من وزير التربية والتعليم يتهمه خلالها بسبه وقذفه ونشر أخبار كاذبة حول "فشل منظومة التابلت"، كما جرى القبض عليه وحبسه 15 يوماً عام 2023، على خلفية انتقاده وزارة التعليم في جلسات الحوار الوطني.
دعم شعبي يكسر هيبة "المال السياسي" يرى "زهران" أن تجربته الانتخابية التي لاقت تفاعلاً واسعاً منذ لحظة إعلانه الترشح، تمثل نموذج "المرشح المصري الحقيقي" في مواجهة سيل "الرشاوى الانتخابية"، بعدما وصل ثمن الصوت الانتخابي.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من قناة DW العربية
