باكستان 2025.. من الضغوط الاقتصادية إلى شراكات استراتيجية مع الخليج

يجد الاقتصاد الباكستاني نفسه في عام 2025 عند منعطف مهم، فبعد فترة امتدت لسنوات اتسمت باضطرابات سياسية، وتقلبات عالمية حادة في أسعار الطاقة والغذاء، وتأثيرات الفيضانات واسعة النطاق، تراجع النشاط الاقتصادي وارتفع التضخم إلى مستويات غير معهودة.

ومع ذلك، بدأت البلاد منذ عام 2024 بالدخول في مرحلة إعادة تموضع اقتصادي بعد تطبيق حزمة من الإجراءات النقدية والمالية والإصلاحات التي هدفت إلى إعادة الاستقرار وتجنب تفاقم الاختلالات، هذه المرحلة لا تعني أن باكستان تجاوزت التحديات، لكنها تشير بوضوح إلى تحسن تدريجي في المؤشرات وعودة الثقة بشكل أولي.

مؤشرات التعافي تظهر تدريجياً يقول وزير المالية محمد أورنغزيب في مقابلة خاصة مع CNN الاقتصادية إن «الأشهر الثمانية عشر الماضية حملت تحسناً ملحوظاً»، مشيراً إلى تراجع التضخم من ذروته التي اقتربت من 40% إلى خانة الآحاد، واستقرار العملة، وانخفاض العجز في الحساب الجاري. ويضيف أن احتياطي النقد الأجنبي بات يغطي ما يقارب شهرين ونصف من الواردات، وأن الحكومة تمكنت من تحقيق فوائض أولية في المالية العامة للمرة الأولى منذ سنوات.

ويؤكد الوزير أن هذه المؤشرات تدعمها اعترافات خارجية مهمة، إذ رفعت وكالات التصنيف الائتماني تقييمها لباكستان خلال العام، كما صادق صندوق النقد الدولي على المراجعة الثانية لبرنامجه الممتد، وهو ما يعكس أن الإصلاحات بدأت تعطي نتائج قابلة للقياس.

نمو يعكس التعافي لكنه أقل من الطموحات ورغم هذا التحسن، يشدد الوزير على أن الاقتصاد لم ينتقل بعد إلى مرحلة التعافي الكامل، إذ يتوقع أن يتراوح النمو بين 2.5 و3% في 2025، هذا المستوى أفضل بكثير من الانكماش السابق، لكنه لا يكفي لاستيعاب متطلبات سوق العمل أو دعم تحسن ملموس في مستويات المعيشة. ويشير إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر لا يزال أقل من الإمكانات، وأن كلفة خدمة الدين تضغط على مساحة الإنفاق العام.

إصلاحات مالية وضريبية لإعادة بناء الأساس الاقتصادي يشدد أورنغزيب على أهمية إصلاح النظام الضريبي باعتباره ركيزة أساسية لخفض الاعتماد على التمويل الخارجي وتعزيز استدامة المالية العامة، وقد ارتفعت نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي من 8.8% إلى 10.3% خلال عام واحد، مع هدف للوصول إلى 11%. ويجري ذلك من خلال إدخال قطاعات لم تكن مشمولة سابقاً بالنظام الضريبي، وتحسين الإدارة عبر أدوات رقمية وتقنيات ذكاء اصطناعي، في إطار تحديث شامل لعمليات التحصيل وبنية المؤسسات المالية.

إصلاح قطاع الطاقة.. ركيزة لا غنى عنها للنمو لا يزال قطاع الطاقة أحد أكثر القطاعات تحدياً، بسبب الديون الدائرية وضعف كفاءة شركات التوزيع، ويشير الوزير إلى أن الحكومة تعمل على إعادة هيكلة القطاع من خلال إدخال القطاع الخاص إلى مجالس إدارة شركات التوزيع، والمضي قدماً في خصخصة ثلاث شركات، إضافة إلى إصلاح نظام التعرفة لجعل كلفة الطاقة أكثر تنافسية وداعمة للنشاط الصناعي.

الانتقال نحو نموذج جديد في العلاقة مع الخليج مع تحسن المؤشرات الداخلية، تنتقل باكستان إلى توسيع علاقتها الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي لعبت دوراً محورياً في دعم الاستقرار المالي خلال السنوات الماضية عبر الودائع وتسهيلات النفط ودعم برامج صندوق النقد، لكن الوزير يؤكد أن المرحلة المقبلة قد تختلف، إذ تتجه العلاقة إلى نموذج قائم على الاستثمار والشراكات الإنتاجية بدلاً من الدعم الطارئ.

ويقول إن التحويلات المالية من الجاليات الباكستانية في الخليج، التي بلغت نحو 38 مليار دولار العام الماضي، وأسهمت بدور مهم في الحساب الجاري، لا تكفي وحدها لبناء تنمية مستدامة، ما يجعل التحول نحو الاستثمار المباشر خطوة أساسية.

كيف تتطور الشراكة الاقتصادية مع الخليج؟ تعمل باكستان على فتح قطاعات واسعة أمام الاستثمارات الخليجية، من بينها الطاقة، والنفط والغاز، والتعدين، والصناعات الدوائية، والزراعة، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية. ويرى الوزير أن هذه القطاعات قادرة على إنتاج قيمة مضافة، وتوليد فرص عمل، ودعم النمو على المدى الطويل، إذا ما تدفقت إليها الاستثمارات بالشكل المناسب.

ويشير إلى أن الاهتمام الخليجي يتقاطع مع حاجة باكستان إلى شركاء اقتصاديين يبحثون عن فرص طويلة الأمد في دول ذات كثافة سكانية عالية وإمكانات صناعية وزراعية كبيرة، ما يجعل الشراكة بين الجانبين أقرب إلى التكامل الاقتصادي منها إلى الدعم المالي التقليدي.

اتفاقية التجارة الحرة.. نقطة التحول المقبلة يشير الوزير إلى أن باكستان تتحرك على مسارين متوازيين في علاقاتها الاقتصادية مع المنطقة: مسار جماعي مع دول مجلس التعاون، ومسار ثنائي مع دولة الإمارات. فعلى المستوى الجماعي، يؤكد أورنغزيب أن اتفاقية التجارة الحرة بين باكستان ومجلس التعاون GCC FTA وصلت إلى مراحل متقدمة جداً ، وأن الإعلان عنها بات قريباً بعد استكمال الجوانب الفنية. ويمثل هذا الاتفاق خطوة واسعة لتعزيز حركة السلع وتسهيل النفاذ إلى الأسواق الخليجية ورفع حجم التجارة المتبادلة. وفي الوقت نفسه، تعمل باكستان على التقدم في مفاوضاتها مع دولة الإمارات بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة CEPA، حيث يشير الوزير إلى أن المناقشات باتت في مراحلها النهائية ، وأن الاتفاق متوقع أن يُختتم قريباً بعد الانتهاء من التفاصيل المتبقية، وتُعد CEPA محوراً رئيسياً في توسيع التعاون الثنائي وتعميق مسارات الاستثمار والتجارة بين البلدين. فرصة مشروطة بمواصلة الإصلاح باكستان اليوم في موقع أفضل مما كانت عليه خلال 2022 2023، لكنها ما تزال في بداية الطريق، فاستمرار التحسن يتطلب الحفاظ على وتيرة الإصلاحات، وتحسين بيئة الأعمال، وضمان استقرار سياسي يسمح بتنفيذ البرامج الاقتصادية، ومع اقتراب اكتمال اتفاقية التجارة الحرة، ووجود اهتمام استثماري متزايد من دول الخليج، تبدو أمام باكستان فرصة لإعادة بناء نموذج اقتصادي أكثر صلابة واستقلالية.

وفي ختام حديثه، يشدد الوزير على أن «المرحلة المقبلة لن تُبنى على المساعدات، بل على الشراكات والاستثمار والإنتاج»، مؤكداً أن باكستان «تملك إمكانات كبيرة إذا جرى استثمارها بالشكل الصحيح».


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 5 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 7 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 12 ساعة
قناة CNBC عربية منذ ساعتين
قناة CNBC عربية منذ 7 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 6 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 6 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 15 ساعة
صحيفة الاقتصادية منذ 13 ساعة