تتحرك الدولة المصرية اليوم فى فضاء إعلامى مُضطرب، تتقاذفه موجات من الأخبار الكاذبة، التى لا تتوقف عن التشكل والانبعاث، وكأنها تنسج لنفسها حياة موازية عبر منصات «التواصل»، تتحدى السرديات الرسمية، وتعبث بيقين الناس، وتزعزع ثقتهم فى المؤسسات.
وفى خضم ذلك، برزت، فى الأيام الأخيرة، إشارات حكومية تبحث عن مقاربات جديدة يمكنها أن تنجح فى مواجهة هذه الظاهرة، التى باتت مصدر قلق أمنى واقتصادى واجتماعى.
ولئن كانت المشكلة حقيقية لا مجال لإنكارها، فإن العالم بأسره يقف أمامها مشدوهًا، بدءًا من أعرق الديمقراطيات، وحتى أكثر الأنظمة صرامة، حيث تتعاظم قدرة المعلومات المُضلّلة على اختراق العقول، وصناعة اتجاهات رأى زائفة، لتتسع فجوة الإدراك بين الواقع وما يُبث عبر الشاشات والهواتف، حتى صارت الأخبار الكاذبة وباءً عابرًا للدول والثقافات، لا تخضع لحدود ولا لرقابة ناجعة.
غير أن هذا الاعتراف العالمى بطبيعة المشكلة لا يقود بالضرورة إلى أن الحل يكمن فى إضافة طبقة جديدة من النصوص العقابية، لأن الواقع المصرى تحديدًا يقول شيئًا آخر، ولأن التجارب السابقة- هنا وفى دول عديدة- أثبتت أن الإفراط فى التشريع العقابى لا يوقف تدفق الأخبار الكاذبة بقدر ما يُضيّق المجال العام، ويُضعف الثقة فى المؤسسات، ويضغط على هوامش الحريات المُتاحة.
لقد راكمت مصر خلال العقد الماضى منظومة تشريعية واسعة تتعامل مع الأخبار الكاذبة من أبواب شتى، بدءًا من قانون العقوبات، ومرورًا بقانون مكافحة الإرهاب، ووصولًا إلى قانونى مكافحة جرائم تقنية المعلومات وتنظيم الصحافة والإعلام. وهذه النصوص لا تتحدث بعمومية أو بكلمات مقتضبة، بل تنص صراحة على تجريم نشر الأخبار الكاذبة أو الشائعات، التى تثير الذعر أو تضر بالمصلحة العامة أو تهدد الأمن القومى، وتمنح للسلطات المختصة صلاحيات واسعة لمجابهتها.
إن القول بوجود «فراغ تشريعى» يقتضى إضافة قانون عقابى جديد لا يصمد أمام أبسط مراجعة، لأن المشكلة لم تكن يومًا فى غياب النص، بل فى طريقة توظيف النصوص، واتساقها، وضمان أن تظل أداة لحماية المجتمع لا أداة لتقييد مساحات التعبير المشروعة. فليس من الحكمة أن نزحم الساحة القانونية بالمزيد من التجريم بينما لم تُستخدم الإمكانات المتاحة كاملة، ولا أن نضيف قوانين جديدة بينما الواقع يثبت أن قوة القوانين لا تُقاس بعددها، بل بقدرتها على إرساء العدالة والمساواة ومنع الانتقائية.
وقد شهدت الإنسانية من قبل كيف قادت الحماسة نحو تشديد الرقابة إلى نتائج معاكسة تمامًا، ففى دول كانت تعتقد أن التضييق هو السبيل الأخير للدفاع عن الحقيقة، انتهى فيها الأمر إلى كبت الحريات، وإضعاف الصحافة، وتراجع القدرة على الوصول إلى المعلومات الموثوقة. وبدلًا من أن يختفى التضليل،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة المصري اليوم


