تشهد دولة الإمارات العربية المتحدة طفرة نوعية في تبنّي الذكاء الاصطناعي، جعلتها واحدة من أبرز الدول عالمياً في هذا المجال، ليس فقط من حيث الاستراتيجيات والرؤى، بل بالأرقام التي تؤكد حجم التقدم وسرعته. فمنذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي عام 2017، حرصت الإمارات على دمج التقنيات المتقدمة في مختلف القطاعات الحيوية بما يعزّز الإنتاجية، ويرفع كفاءة الخدمات، ويعزّز موقع وريادة الإمارات في خريطة التقنية عالمياً.
من الرؤية إلى الاستراتيجية: ملامح ريادة الإمارات في الذكاء الاصطناعي
التجربة الإماراتية في مجال الذكاء الاصطناعي تنطلق من رؤية وطنية شاملة ترسّخ التحول نحو اقتصاد معرفي متكامل. عملت دولة الإمارات على بناء منظومة متكاملة تشمل توطين التقنيات المتقدمة، وتنمية الكفاءات البشرية، وتطوير بنية تحتية رقمية رائدة قادرة على دعم هذا التحول. كما ساهم الانسجام بين السياسات الحكومية الطموحة ومبادرات القطاع الخاص في خلق بيئة خصبة جعلت من الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي، خصوصاً في القطاعات الحيوية ذات الأثر الواسع مثل: الطاقة، والنقل، والخدمات الحكومية، والخدمات المالية والتعليم والصحة وغيره.
معالي عمر سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، أكد في قمة «بريدج 2025»، أهمية تبني نهج استباقي في وضع الأطر التشريعية العالمية للذكاء الاصطناعي، وضرورة مواكبة سرعة تطور التقنيات بقوانين واضحة وفعالة، تمكن الدول والحكومات من التعامل مع التحديات المستقبلية بجاهزية وكفاءة عالية بعيداً عن الاستجابة المتأخرة، أو القرارات الآنية.
..الإمارات تقود المنطقة في تبنِّي الذكاء الاصطناعي بالمتاجر الإلكترونية
بدايات الرؤية الرقمية والتحول الحكومي
قبل إطلاق استراتيجية الذكاء الاصطناعي، استثمرت الإمارات بكثافة في التحول الرقمي. على مدار سنوات، طوّرت بنية تحتية رقمية قوية، ووسعّت من توفر الخدمات الإلكترونية الحكومية، مما مهد الطريق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وقد أدركت الإمارات مبكراً أن الذكاء الاصطناعي سيكون أحد الركائز الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
..عمر سلطان العلماء أول قائد دولي من الشرق الأوسط في عضوية إدارة «مجلس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»
وأكدت الإمارات أن التحول الرقمي هو أساس مستقبل الإمارات، وإن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون حاضرًا في الحياة اليومية والخدمات الحكومية.
ملامح استراتيجية الذكاء الاصطناعي الوطنية 2031
في 21 أبريل 2019، اعتمد مجلس الوزراء، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031.
تهدف استراتيجية الذكاء الاصطناعي إلى تحويل الإمارات إلى دولة رائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي، عبر إنشاء منظومة متكاملة تدعم الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية.
تتمحور الاستراتيجية حول ثمانية أهداف استراتيجية تم تحديدها بعناية بحسب أولويات التنمية في الدولة.
من بين أهداف استراتيجية الذكاء الاصطناعي:
بناء سمعة الإمارات كوجهة رائدة للذكاء الاصطناعي.تعزيز الأصول التنافسية في القطاعات الأساسية مثل الطاقة والصحة والنقل.جذب المواهب.تعزيز الحوكمة والبيانات.
تنسجم هذه الاستراتيجية أيضًا مع "مئوية الإمارات "2071، التي تسعى إلى جعل الدولة من أفضل دول العالم بحلول عام 2071. كما عينت الإمارات وزير دولة للذكاء الاصطناعي في رؤية طموحة للتواجد ضمن موقع ريادي في مجال الذكاء الاصطناعي عالمياً.
الإمارات.. ريادة عالمية في خريطة الذكاء الاصطناعي
تشهد الإمارات مرحلة جديدة من تسارع الاستثمارات والمشروعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، معتمدة على استراتيجيات وطنية متقدمة تهدف إلى دمج أحدث التقنيات في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدماتية، بما يسهم في تعزيز تنافسيتها على الخارطة العالمية بين الدول الأكثر تقدماً في التقنيات الحديثة.
..عمر العلماء: نجاحنا في الذكاء الاصطناعي سيحفز الجميع على المضي قدماً
لعبت مجموعة "جي 42" وشركاتها التابعة دورًا محوريًا في هذا الزخم من خلال تطوير حلول ذكية ومبتكرة، تعزز من قدرات الدولة في توطين التكنولوجيا، وتمكين الاستدامة، حيث تنشط الشركات مجتمعة في قطاعات متنوعة تشمل تقديم خدمات متقدمة في الصحة والطاقة والأمن السيبراني والثقافة والتعليم والخدمات الرقمية، وغيرها من القطاعات التي تعكس ريادة الإمارات في سرعة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي.
بلغ حجم الاستثمارات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي أكثر من 543 مليار درهم منذ عام 2024 حتى الآن، منها 100 مليار درهم مخصصة لمشروع "ستارجيت الإمارات" و180 مليار درهم استثمارات خارجية، ما يعكس قوة حضور الدولة في الأسواق العالمية.
شركة مايكروسوفت أعلنت استثمارات بقيمة 17 مليار دولار في دولة الإمارات خلال الفترة من 2023 إلى 2027، فيما ضخت شركة KKR العالمية نحو 5 مليارات دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي داخل الدولة. هذه الأرقام تمثل دليلاً واضحًا على الثقة الدولية المتزايدة بقدرات الإمارات الرقمية.
ارتفع عدد المبرمجين في الدولة إلى أكثر من 450 ألف مبرمج بعد أن كان الهدف 300 ألف بحلول عام 2025، بزيادة قدرها 376.9% مقارنة بعام 2020.
الإمارات جاءت في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث نسبة العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة بعدد السكان، وفقًا لتقرير لينكد إن بالتعاون مع جامعة "ستانفورد" في عام 2023، مما يعكس النضج الكبير في بيئة المواهب التقنية بالدولة.
58 %من أفراد المجتمع في الإمارات يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي بمختلف أنواعها، لتصبح الدولة في المرتبة الأولى عالميًا في معدل الاستخدام المجتمعي لهذه التقنيات، متقدمة على الدول ذات الدخل المرتفع.
منحة طحنون بن زايد للتميز في الذكاء الاصطناعي
منحة طحنون بن زايد للتميز في الذكاء الاصطناعي مبادرة طموحة تهدف إلى تمكين العقول الشابة والموهوبة لتكون شريكاً فاعلًا في تشكيل المستقبل، وتعزيز مكانة الإمارات وجهة رائدة في طليعة مشهد الابتكار العالمي.
أُطلقت (منحة طحنون بن زايد للتميز في الذكاء الاصطناعي) بمبادرة من سموّ الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم أبوظبي ورئيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة لدعم الطلاب المتميزين من طلبة البكالوريوس في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
تمكين 350 طالبًا على مدى ست سنوات:
تبدأ المنحة في العام الأكاديمي (2025 2026)، وتهدف إلى دعم 350 طالب بكالوريوس من المتميزين أكاديميًا على مدى ست سنوات، وفق معايير دقيقة تشمل: الكفاءة العالية في الرياضيات، ومهارات القيادة وريادة الأعمال، والجدارة الأكاديمية والتميز العلمي.
جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في طليعة المشهد الأكاديمي
تعد جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، الأولى من نوعها في العالم المتخصصة بالكامل في الذكاء الاصطناعي. تمثل نموذجاً رائداً لمؤسسات التعليم العالي التي تضطلع بدور محوري في تعزيز مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي.
تهدف جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إلى بناء القدرات الوطنية في مجال تنمية المواهب والبحث العلمي والابتكار، بما يسهم في دعم "الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031" وترجمتها على أرض الواقع في مجالات التعليم والاقتصاد والمجتمع.
الرؤية الاستراتيجية للجامعة ترتكز على محاور رئيسة تشمل استقطاب وتطوير أفضل المواهب العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، ودفع الأبحاث المتقدمة في القطاعات ذات الأولوية الوطنية، وتمكين الابتكار من خلال الشراكات وريادة الأعمال.
تصنف جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي،من بين أفضل 10 جامعات في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في إعداد جيل جديد من قادة الذكاء الاصطناعي.
لم تقتصر جهود الإمارات على جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بل امتدت لتشمل العديد من الجامعات الأخرى التي أدمجت الذكاء الاصطناعي في برامجها الأكاديمية.
التعليم: مناهج المستقبل يقودها الذكاء الاصطناعي
تعد دولة الإمارات من الدول الرائدة عالمياً التي تدرج الذكاء الاصطناعي كمادة دراسية ضمن مناهج التعليم المدرسي.
..عمر العلماء: الإمارات تقود نهجاً استباقياً لتنظيم الذكاء الاصطناعي عالمياً
وزارة التربية والتعليم أكدت أن إدراج مادة الذكاء الاصطناعي في جميع الصفوف من رياض الأطفال حتى الثاني عشر، لن يكون مجرد تجربة تعليمية جديدة، بل مشروع وطني متكامل يخضع للمتابعة الدقيقة والتطوير المستمر. كما بدأت الجهات التعليمية في دمج الذكاء الاصطناعي داخل الفصول الدراسية والمنصات الافتراضية.
7 مجالات رئيسية لمادة الذكاء الاصطناعي:
يغطي منهج مادة الذكاء الاصطناعي 7 مجالات رئيسية، تشمل المفاهيم الأساسية، والبيانات والخوارزميات، واستخدام البرمجيات، والوعي الأخلاقي، والتطبيقات الواقعية، والابتكار وتصميم المشاريع، إلى جانب السياسات والارتباط المجتمعي، مع مراعاة الفئات العمرية المختلفة وطبيعة المهارات والمعارف التي تتطلبها كل مرحلة دراسية.
مكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد بالتعاون مع شركة «مايكروسوفت» العالمية، أطلق «مسار المعلمين» ضمن مسارات مبادرة مليون موهبة في الذكاء الاصطناعي، لتأهيل مليون شخص بمهارات الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات بحلول عام 2027.
«مسار المعلمين» يهدف إلى تمكين الكوادر التعليمية بمفاهيم مجال الذكاء الاصطناعي، ومعرفة الأدوات الحديثة والاستفادة من إمكانات هذا المجال، ودعم جهود القطاع التعليمي وتطوير مخرجاته بما يتماشى مع جهود الدولة لبناء جيل من المعلمين القادرين على قيادة التحول الرقمي في التعليم.
الذكاء الاصطناعي في حياة الناس: تطبيقات واقعية
تأثير الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات امتد ليشمل مختلف القطاعات الحيوية، مما يعزز التنمية المستدامة ويحسّن جودة الحياة ويرسخ مكانتها كمركز عالمي للابتكار والتحول الرقمي.
الصحة:
بفضل رؤيتها المستقبلية الطموحة، تواصل الإمارات سعيها إلى تحويل الذكاء الاصطناعي من تجارب إلى جزء أساسي من التشغيل اليومي في المستشفيات وقطاع الرعاية الصحية.
تعتمد وزارة الصحة ووقاية المجتمع على أنظمة تحليل بيانات المرضى والتنبؤ بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب.
كما تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في قراءة الأشعة والتصوير الطبي، ما يقلل من الأخطاء البشرية ويُسرّع عملية التشخيص.
سجلت منشآت صحية في الدولة نجاحات جراحية غير مسبوقة منها أول زراعة مزدوجة لكليتين بالروبوت، وأول زراعة رئة روبوتية.
الذكاء الاصطناعي يرسم ملامح مستقبل الخدمات الحكومية
تسعى الإمارات إلى تقديم خدمات حكومية أكثر فاعلية، مع تحسين الكفاءة وتقليل البيروقراطية، عبر تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة العمل الحكومي وصناعة المستقبل.ونجحت الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ في تطبيق الذكاء الاصطناعي في أنظمتها الداخلية، وتعمل على توسيعه ليشمل تطبيقات المتعاملين بهدف تسهيل رحلتهم وإسعادهم من خلال مشاريع مبتكرة تعكس ريادتها في مجال التحول الرقمي.
كما تُستخدم الروبوتات والتقنيات الذكية في معظم الجهات الحكومية لاختصار الإجراءات وتقليص زمن إنجاز الخدمات.
أطلقت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، نظام «إنجازاتي» المُبتكر لإدارة أداء موظفي الحكومة الاتحادية، في إطار جهودها لتعزيز توجّهات حكومة دولة الإمارات، في تبنّي حلول ذكية فعالة تدعم كفاءة الأداء الحكومي وترفع مستويات الإنتاجية، وتسهم في تحفيز ومكافأة الإنجازات المتميزة، وتنسجم مع مستهدفات تصفير البيروقراطية.
يُمثّل «إنجازاتي»، منظومة ذكية متكاملة، معززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تتيح للموظفين والمسؤولين المباشرين إدارة الأداء بسلاسة وشفافية، مع إمكانية متابعة الأهداف الملهمة وتوثيق التغذية الراجعة بشكل دوري وفعّال، حيث يُسهم الذكاء الاصطناعي ضمن النظام الجديد في صياغة مستهدفات أكثر دقة وواقعية، من خلال تقديم مقترحات ذكية تتوافق مع طبيعة الدور الوظيفي لكل موظف.
وزارة الموارد البشرية والتوطين حققت إنجازات ريادية في مجالات التحول الرقمي، وإدراج إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الخدمات، وتسريع مسيرة الريادة الحكومية، وحصلت على العديد من الجوائز المهمة في مجالات تصفير البيروقراطية الحكومية عبر كفاءة الإنجاز، ومستوى الابتكار والتكامل الذي تحققه في الخدمات.
وبلغت نسبة الإنجاز 100% في 52 خدمة ضمن المرحلة الثانية من مشروع تصفير البيروقراطية، بعد استكمال إنجاز المرحلة الأولى، وتم تقليص زمن إنجاز المعاملة من 30 يوم عمل إلى 5 أيام فقط، وتحويل بعضها إلى خدمات آنية يتم الحصول عليها مباشرة، وتقليص الزيارات، ما يعكس تحولا رقميا جذريا في الخدمات الحكومية.
تستهدف وزارة الموارد البشرية والتوطين تقديم 100 % من خدمات الخط الأول للجمهور من خلال الذكاء الاصطناعي، ودمج الذكاء الاصطناعي بنسبة 100 % في الخدمات الطبية، والأمنية الخاصة بتحديد الهوية، وزيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الوظائف الروتينية، القيادة، من خلال تعيين المجلس الاستشاري.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية





