يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، لم يتخلّ عن حيّل وصفات «التسويق» التي امتهنها فى تجارة الأثاث، فى مقتبل حياته الوظيفية بالولايات المتحدة، من مراوغة واحتيال ومناورة، فقد حملها معه فى عالم السياسة، بما فى ذلك تعامُله مع خطة وقف الحرب فى غزة، بهندسة العراقيل والمعضلات التي تُمَكنه من عدم التقيد بالاتفاق الذي جرَى التوقيع عليه فى «شرم الشيخ» فى شهر أكتوبر الماضى؛ لوضع حد للمأساة فى القطاع.
هكذا يمكن النظر إلى ما يمكن تسميته بحالة «التشتيت» المتعمد لاتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، وحالة الجمود التي تحيط بتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، بعد التسريبات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة، سواء المتعلقة بمزاعم فتح معبر رفح فى اتجاه واحد لخروج الفلسطينيين من القطاع، أو ما يتعلق بترتيبات أخرى فى واشنطن، بالتزامن مع زيارة نتنياهو ولقائه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نهاية الشهر.
كان من اللافت أخيرًا، تلك التسريبات والضغوط الإسرائيلية؛ لتشويه الموقف المصري مجدّدًا، رغم صلابته وثباته ووضوحه، فيما يتعلق بالحل فى غزة، وفى الدفاع عن الحق الفلسطينى، إلاّ أنّ الراصد لنهج «حكومة نتنياهو»، فى المراوغة، واختراعه لعراقيل إفساد «رؤى وصفقات» وقف إطلاق النار، على مدار عامين من الحرب على غزة، يستطيع أن يفسر ما يحدث حاليًا فى هذه المرحلة، فهو نهج طالما اتبعه نتنياهو، لإفساد الحل فى القطاع، وقبل كل ذلك، حماية نفسه من مصير المساءلة الداخلية.
الواقع أنّ تساؤلات المصير فى غزة، لا تزال مطروحة، وحديث الإنقاذ لا يزال يفرض نفسه؛ خصوصًا مع مساعى حثيثة من الوسطاء، وفى مقدمتهم مصر؛ لتثبيت وقف إطلاق النار فى القطاع، وتهيئة المناخ للانتقال إلى المرحلة الثانية، وكل هذه الجهود تصطدم بتعنت وغياب الإرادة من الطرف الآخر للتنفيذ، والأهم من ذلك، مصير «خطة ترامب»، وهل يمكن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، كما تعهد ترامب نفسه، وهى المرحلة التي تتيح بدء عملية إعادة الإعمار؟
مساومات وعراقيل
واقع الأمر، أنه إذا كانت هناك أيادٍ تسعَى للسلام؛ فهناك أخرى لا تريده، وتبغى الحرب، كسبيل لبقائها.. هذا واقع ما تمارسه حكومة دولة الاحتلال الأيام الأخيرة، فهى تمانع بكل وضوح أىَّ خُطى للسلام، أو التسوية الشاملة، ولا تزال تغازل وتناور بمخطط «التهجير»؛ بل لا تزال تمارس عدوانها، بقصف مواقع فى غزة، فى خرق واضح لوقف إطلاق النار، بحجج واهية، تدّعى فيها خروقات من الجانب الفلسطينى.
استوقفتنى الأيام الأخيرة، تباينات المواقف الإسرائيلية، بداية من إعلان وحدة تنسيق أعمال الحكومة فى الأراضى الفلسطينية، فتح معبر رفح، من الجانب الفلسطينى، بدعوَى خروج سكان غزة إلى مصر، ما يعنى الإصرار على ارتكاب جريمة التهجير للفلسطينيين.
بلا شك، جاء الموقف المصري سريعًا، وواضحًا، وثابتًا، برفض هذه الخطوة، والتشديد مُجددًا على أن «مصر لن تكون بوابة للتهجير»، وأن هذا الموقف نوعٌ من الضغوط التي تمارسها تل أبيب.
تزامن هذا الحديث، مع تطورات فى الداخل الإسرائيلى، تتعلق بطلب العفو الذي تَقدَّم به رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، من تُهَم قضايا الفساد الموجهة له، بدعوى «الحفاظ على الوحدة الداخلية»، وهى من الأبعاد المؤثرة فى تشدُّد المواقف الإسرائيلية تجاه أى مساع للسلام، ذلك أن نتنياهو يعى خطورة هذه القضايا، ويدرك أنه يواجه خطر الحبس بسببها، وبالتالى يريد ضمان أطول فترة ممكنة من البقاء فى السُّلطة، حفاظا على مستقبله السياسى، ولعل الشاهد على ذلك، دعوات المعارضة الإسرائيلية، بانسحاب رئيس وزراء الاحتلال من الحياة السياسية، مقابل الموافقة على «العفو»، وهو يعلم أنّ هذه الخطوة ربما سيكون مصيرها الحبس والاعتقال.
وسط هذه التطورات، خرج موقع «أكسيوس» الأمريكى؛ ليشير إلى إمكانية توسط الإدارة الأمريكية لعَقد لقاء بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، ونتنياهو، غير أن الجانب المصري تعامَل مع الفكرة «ببرود»، حسب التقرير، وذلك قبل زيارة مرتقبة لرئيس وزراء الاحتلال إلى واشنطن مجدّدًا، بدعوة من ترامب الذي تعهد بالبدء فى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة قريبًا!.
وبغضّ النظر عن «التجاهل» المصري لهذا الحديث وهذه الإشارات، أرادت القاهرة التأكيد على ثبات موقفها ومُحدّداته فيما يتعلق بالوضع فى غزة، وكانت هذه رسالة واضحة، فى الاتصال الهاتفى الذي جرَى بين وزير الخارجية بدر عبدالعاطى، ونظيره الأمريكى ماركو روبيو، الأسبوع الماضى، والذي ناقش سُبُل تنفيذ باقى مراحل خطة الرئيس ترامب، وتثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، وضرورة الانتقال للمرحلة الثانية، وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية فى القطاع، وتشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية، مع ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع.
هل تخشى إسرائيل من المرحلة الثانية؟
كانت رسالة القاهرة واضحة؛ بأنّ موقفها ثابت لا يتغير، لكن المفارقة التي تستدعى التوقف، هى أن الرئيس الأمريكى يتحدث عن اتجاه الأمور إلى تثبيت السلام فى غزة، فى وقت تواصل فيه تل أبيب اختراق اتفاق وقف إطلاق النار، بتنفيذ غارات جوية على القطاع بشكل متقطع، وهو ما دفع حركة حماس للمطالبة بضرورة ضغط الوسطاء والضامنين الدوليين على دولة الاحتلال؛ لضمان التنفيذ الكامل من المرحلة الأولى؛ خصوصًا وقف الأعمال القتالية، قبل الحديث عن بدء تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه، هو إلى أى مدى يمكن أن تقبل حكومة الاحتلال بالشروع فى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار؟، لاسيما أن الجانب الآخر من الاتفاق، وهو حركة حماس، أظهَر نضجًا فى التعامل مع الموقف؛ بإعلان الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، رغم الاستفزازات الإسرائيلية.
المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار، مرهونة بسلسلة إجراءات من الطرفين، بداية من نزع حركة حماس لسلاحها، وهذه خطوة مرتبطة هى الأخرَى بتحركات إسرائيلية مماثلة، من بينها الانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها فى قطاع غزة، وتسهيل مُهمة «قوة الاستقرار الدولية»، وتسليم إدارة قطاع غزة، إلى السُّلطة الفلسطينية، وتسهيل عملية إعادة الإعمار.. وهى خطوات تحتاج إلى جهد مكثف من «الدول الضامنة» لاتفاق وقف إطلاق النار، وهى مصر وأمريكا وقطر وتركيا؛ لتنفيذ هذه الخطوات.
والواقع أن تنفيذ هذه الخطوة، حتى لو كُللت بتسليم حركة حماس سلاحها، ستكون نقطة تحوُّل كبيرة فى مسار الأوضاع فى قطاع غزة، بِعَدِّها ستُحبِط كل مساعى إسرائيل، التي ارتكبت جرائم حرب من أجلها؛ خصوصًا مساعى التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، وتسعى فى المقابل.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بوابة روزاليوسف




