تشهد محافظتا حضرموت والمهرة في الأسابيع الأخيرة تطورات متسارعة أعادت رسم المشهد السياسي والعسكري في الشرق اليمني، ووضعت جميع الأطراف الفاعلة أمام اختبارات صعبة، تتجاوز حدود المناورة التكتيكية إلى أسئلة المصير والاستراتيجية. ما يجري لم يعد مجرد تحركات ميدانية أو إعادة تموضع قوات، بل بات تعبيرًا عن أزمة عميقة في بنية الدولة، وتناقضات الشرعية، وتباين أولويات التحالف، وتضارب المشاريع المحلية، في لحظة إقليمية ودولية شديدة الحساسية.
حضرموت، بثقلها الجغرافي والاقتصادي والسكاني، والمهرة، بخصوصيتها الحدودية وتعقيداتها القبلية والإقليمية، تحوّلتا إلى ساحة اختبار حقيقي: هل يمكن فرض وقائع جديدة بالقوة؟ أم أن أي تغيير لا بد أن يمر عبر تسويات معقدة؟ وهل بات الجميع في مأزق حقيقي بلا مخارج سهلة؟
المجلس الانتقالي الجنوبي دخل هذه المرحلة وهو يشعر بأنه في ذروة قوته الميدانية، بعد تمدد نفوذه العسكري في محافظات عدة، مستندًا إلى خطاب استكمال السيطرة و تصحيح مسار الشراكة . من منظور المجلس، فإن حضرموت والمهرة ليستا مجرد محافظتين، بل تمثلان العمق الاستراتيجي لأي مشروع سياسي جنوبي، سواء بصيغته القصوى أو المرحلية. السيطرة على الأرض، من وجهة نظره، تمنحه أوراق تفاوض لا يمكن تجاهلها، وتخرجه من مربع الشريك الضعيف في معادلة السلطة.
لكن هذا التمدد يضع المجلس أمام معضلة مركبة. فحضرموت ليست ساحة خالية، بل فضاء متنوع سياسيًا وقبليًا واقتصاديًا، وفيها قوى محلية تخشى أن تتحول المحافظة إلى ساحة إدارة مركزية جديدة، ولو بلباس مختلف. كما أن المهرة، بحساسيتها الحدودية وارتباطاتها الإقليمية، لا تقبل بسهولة منطق الحسم الأمني. أي خطأ في إدارة هذا التنوع قد يحول المكاسب العسكرية إلى عبء سياسي وأمني طويل الأمد.
خيارات المجلس الانتقالي يمكن تلخيصها في ثلاثة مسارات رئيسية. الأول هو تثبيت الواقع الميداني ثم الذهاب إلى تفاوض سياسي، سواء مع الحكومة أو برعاية التحالف، بهدف انتزاع ترتيبات جديدة تعزز نفوذه الإداري والأمني والاقتصادي. هذا المسار يمنحه فرصة ترجمة القوة إلى مكاسب سياسية، لكنه يتطلب ضبط الخطاب، وتقديم ضمانات حقيقية للمكونات المحلية في حضرموت والمهرة، وتجنب الانزلاق إلى إدارة أمنية صلبة تثير ردود فعل معاكسة.
المسار الثاني هو رفع سقف الخطاب السياسي، والدفع نحو خطوات أحادية كبرى، بما فيها فرض صيغ سيادية أو إدارية متقدمة. هذا الخيار قد يرضي القاعدة المتحمسة، لكنه يحمل مخاطر كبيرة، لأنه يصطدم مباشرة بالموقف الدولي الرافض لأي تغييرات أحادية، ويضع المجلس في مواجهة ضغوط سياسية واقتصادية قد تعيد خلط الأوراق ضده.
أما المسار الثالث، وهو الأكثر براغماتية، فيتمثل في تهدئة تكتيكية مدروسة، تقبل بإعادة انتشار جزئية أو ترتيبات مشتركة في بعض النقاط الحساسة، مقابل الحفاظ على نفوذ فعلي في مناطق أخرى. هذا الخيار قد يُنظر إليه داخليًا كتراجع، لكنه قد يكون المخرج الأقل كلفة في مرحلة تتكاثر فيها الضغوط.
في.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة عدن الغد
