في عالمٍ ترتفع فيه أسعار الغذاء الأساسية وتزداد فيه الضغوط المعيشية، هناك سوق موازية لا تعرف التقشّف، سوقٌ لا يُقاس فيه الطعام بالحاجة، بل بالندرة والرمزية والمكانة. هنا، لا يُسأل عن السعر قبل الطلب، بل يُفترض أن يكون صادماً، من توابل تُقطف يدوياً إلى أطباق مغطاة بالذهب، هذه ليست وجبات عادية، بل استثمارات في الترف.
لماذا كل هذا الغلاء؟.. بسبب الندرة الجامع المشترك بين أغلى أطعمة العالم هو الندرة إما بسبب صعوبة الإنتاج، أو محدودية المكان، أو الوقت، أو حتى الطقوس المحيطة بالاستهلاك، في هذه السوق يتحوّل الطعام إلى قصة، والطبق إلى تجربة، والسعر إلى جزء من المتعة. الكمأة البيضاء.. نكهة تساوي ثروة تُعد الكمأة البيضاء، القادمة من إقليم بييمونتي شمال إيطاليا، من أندر فطريات العالم. في عام 2007، دفع رجل أعمال من ماكاو نحو 330 ألف دولار مقابل كمأة واحدة وزنها 1.5 كيلوغرام، في صفقة تختصر معنى الندرة الخالصة.
محار، زعفران، وفانيليا.. حين تصبح المكوّنات ذهباً وقد يبدو المحارمألوفاً، لكنه في كثير من المناطق يُصنّف ضمن الأغذية مرتفعة الثمن، أما الزعفران -الملقّب بالذهب الأحمر- فهو أغلى توابل العالم، إذ يتطلّب إنتاج كيلوغرام واحد آلاف الزهور. ليست الفانيليا الطبيعية من مدغشقر أقل كلفة، إذ يتجاوز سعر الكيلوغرام 500 دولار، بعيداً عن البدائل الصناعية الرخيصة.
حلويات وأطباق مرصّعة بالمجوهرات في طوكيو، صمّم الشيف جونغ هونغ يونغتو كعكة كريسماس تحتوي على 223 ألماسة، واستغرق إعدادها شهراً كاملاً، والنتيجة كانت قطعة فنية معروضة بسعر 1.7 مليون دولار. خضراوات وبطيخ بأسعار غير متوقعة تكتسب بطاطس «لا بونوت» الفرنسية، المزروعة في جزيرة نوارموتييه، نكهتها من الأعشاب البحرية والتربة الساحلية، ويصل سعر الكيلوغرام إلى نحو 600 دولار. في اليابان، بطيخ دينسوكي الأسود بيع في مزاد بسعر 6,100 دولارات، بينما وصل زوج من شمّام يوباري كينغ إلى أكثر من 45 ألف دولار في مزاد عام 2019.
بحرٌ من الأرقام القياسية بينما بيع سرطان الثلج في مزاد باليابان عام 2019 مقابل 46 ألف دولار. أما التونة زرقاء الزعانف، فقد يتراوح سعرها عادة بين 20 و200 دولار، لكن واحدة منها بيعت في طوكيو عام 2009 مقابل 3 ملايين دولار، لتصبح رمزاً للمبالغة في سوق الأسماك الفاخر لحوم فاخرة بين الرفاه والجدل قد يكلّف لحم واغيو الياباني، الناتج عن نظام عناية صارم بالأبقار، نحو 50 دولاراً لكل 100 غرام. و أيضاً كبد الإوز «فوا غرا»، رغم سعره المرتفع الذي يقارب 50 دولاراً للكيلوغرام، يواجه حظراً في بعض الدول بسبب طرق الإنتاج المثيرة للجدل.
ولحم خنزير إيبيريكو الإسباني حطّم رقماً قياسياً بسعر 4,500 دولار لساق واحدة.
كافيار وآيس كريم وذهب صالح للأكل كافيار ألماس النادر، المستخرج من سمك بيلوجا، يُباع بنحو 34,500 دولار للكيلوغرام، في دبي يقدّم مقهى سكوبّي آيس كريم «بلاك دايموند» مقابل 817 دولاراً، مع رقائق ذهب وزعفران وكمأة، ويُقدّم في وعاء من فيرساتشي. بيتزا وبرغر ولكن ليس كما نعرفهما تحتوي بيتزا «لويس الثالث عشر» التي ابتكرها ريناتو فيولا على ثلاثة أنواع من الكافيار، وسعرها 12 ألف دولار. بيعت بيتزا «رويال 007» بـ4,200 دولارات، مع كركند منقوع بالكونياك وكافيار مشبّع بالشمبانيا، أما برغر «لو برغر إكسترافاغانت» في نيويورك فيبلغ سعره 295 دولاراً، بفضل لحم واغيو والكمأة والكافيار.
مطاعم تحوّل المناسبات إلى صفقات فاخرة في نيويورك، يقدّم مطعم «أولد هومستيد ستيكهاوس» عشاء عيد الشكر مقابل 76 ألف دولار، في بريطانيا، شريحة من فطيرة «فينس غيت إن» تُباع بنحو 1,781 دولاراً، بمكوّنات تشمل واغيو وكمأة سوداء. وفي المكسيك، يقدّم منتجع «غراند فيلاس لوس كابوس» تاكو بسعر 25 ألف دولار، محشواً بلحم كوبي وكافيار ألماس وكمأة سوداء.
قهوة، جبن، وحساء.. حين تتجاوز الغرابة السعر يصل قهوة كوبي لواك، التي تمرّ حبوبها عبر الجهاز الهضمي لحيوان الزباد، سعر الكيلوغرام إلى 700 دولار. قد يكلّف جبن الموظ السويدي ألف دولار للكيلوغرام، يتراوح حساء عش الطيور، المصنوع من لعاب متحجّر، سعر الطبق بين 30 و100 دولار.
مشروبات أغلى من الذهب يصل ويسكي توليباردين من عام 1952، الذي لم يُنتج منه سوى 70 زجاجة، سعر الزجاجة إلى 41 ألف دولار، وفي أقصى حدود الترف، تُباع زجاجة مياه مغطاة بذهب عيار 24 بسعر 60 ألف دولار، إذ يصبح الغلاف أغلى من المحتوى. هذه الأطعمة ليست مجرد وجبات، بل انعكاس واضح لاقتصاد عالمي تقوم فيه القيمة على الندرة والرمزية أكثر من المنفعة، في زمن تتّسع فيه الفجوة بين أنماط الاستهلاك، يظل الطعام الفاخر شاهداً على أن بعض الأذواق لا تعرف سقفاً للأسعار.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية
