تعرَّفنا في المقالِ السابق على الفصل المجهولِ في تاريخ مجلة «الفكر الجديد» عند كلّ الذين كتبوا عن تاريخ حياة سيد قطب. وهو الفصل الذي رواه خالد محمد خالد في سيرته الذاتية «قصتي مع الحياة».
وكنت قد أبرزتُ في رواية خالد محمد خالد سخطَه المبطّنَ على سيد قطب، لهبوطه عليه وعلى محمد الغزالي فجأة - والمجلة كانت قيد الصدور - منتزعاً منهما رئاسة التحرير بقرار من ممولها ومالكها الحاج محمد حلمي المنياوي، وهو الأمر الذي لم يُوغر صدرَ الغزالي على سيد قطب لسبب نفعي خاص به، أوضحته في ذلك المقال.
سيد قطب سيسخط على خالد محمد خالد بعد سنتين من سخط خالد محمد خالد الشخصي عليه، لسبب آيديولوجي وليس لسببٍ شخصيٍّ. هذا السبب هو تحول خالد محمد خالد، الشيخ الأزهري من اتجاه إسلامي إلى اتجاه تحرري في كتابه الأول «من هنا نبدأ» الصادر عام 1950.
نلمس هذا السبب في مقال سيد قطب في مجلة «المباحث». هذه المجلة استأجرها صالح عشماوي - وكيل جماعة «الإخوان المسلمين» من عام 1946 إلى ما بعد تعيين حسن الهضيبي مرشداً لها، الذي بعد تعيينه مرشداً أقاله من منصبه وعيّن فيه عبد القادر عودة - لتكون منبراً إخوانياً، فكانت منبراً إخوانياً مؤقتاً من 30 مايو (أيار) 1950 إلى 23 يناير (كانون الثاني) 1951. وقد أنهى صالح عشماوي استئجارها بعد أن سمحت حكومة مصطفى النحاس بأن يكون لجماعة «الإخوان» منبر إعلامي، فيحصل صالح عشماوي على امتياز مجلة أسبوعية سماها مجلة «الدعوة» صدر أول عدد منها يوم الثلاثاء 30 يناير 1951.
سيد قطب هاجم خالد محمد خالد لدعوته إلى علمنة الدولة والمجتمع في مصر في كتابه الأول «من هنا نبدأ»، وأشاد برد محمد الغزالي عليه في كتابه «من هنا نعلم». مقال سيد نُشر في تلك المجلة الإخوانية المستأجرة بتاريخ 19 ديسمبر (كانون الأول) 1950، وكان عنوانه «من هنا نبدأ ومن هنا نعلم».
ردّ محمد الغزالي الذي صدر في كتاب، كان صالح عشماوي هو من كتب التقديم له.
وكان صالح عشماوي من كتبة «الإخوان المسلمين» السبّاقين في الهجوم على كتاب «من هنا نبدأ»، فمع صدور طبعته الثانية في شهر يونيو (حزيران) 1950 (الطبعة الأولى صدرت في شهر فبراير/شباط ذلك العام) كتب في مجلة «المباحث» بتاريخ 6 يونيو 1950 رداً على إشادة عضو مجلس الشيوخ محمد خطاب بالكتاب، كان عنوانه «قيصر وما للقيصر لله الواحد القهّار». وبتاريخ 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 1950 في تلك المجلة هاجم الكتاب مرة أخرى بمقال عنوانه «من هنا نعلم». وهذا العنوان استمده من عنوان رد الغزالي «من هنا نعلم» الصادر في شهر نوفمبر من ذلك العام، الذي أرّخ صالح لكتابة تقديمه له بـ8 محرم 1370 هجرية، أي 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1950. وأود لفت انتباه القارئ لأن مقال سيد قطب (من هنا نبدأ ومن هنا نعلم) هو المقال الثالث والأخير الذي أثنى فيه سيد قطب على كتب محمد الغزالي، وذلك قبل أن تسوء العلاقة بينهما، فسيد قطب كان من أنصار حسن الهضيبي ومن المدافعين عنه عملاً وكتابةً، والغزالي كان على رأس الثائرين عليه عملاً وكتابةً.
سخط سيد قطب الآيديولوجي على خالد محمد خالد تحول إلى سخط شخصي حانق عليه بلغ حد النفور منه.
علمت بهذا من حكاية سمعتها:
ما بين عامي 1996 و1997 تعرفتُ على رجل فاضل كان يزور بين حين وآخر مكتبة «الإصدارات» في موقعها القديم بشارع مكة - حي المزرعة بالرياض، التي كان يملكها الصديق الراحل سلمان الشبيب.
هذه المكتبة كانت تتميز عن المكتبات التجارية الأخرى ببيع الطبعات النافدة والطبعات النادرة من الكتب، وبيع المجلات العتيقة والدوريات القديمة، سواء المعروفة عند عامة المثقفين أو المعروفة عند خاصتهم من المعنيين بتاريخ الثقافة العربية الحديثة.
صاحب الحكاية كان يزور المكتبة بصحبة سائقه الخاص، الذي كان.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط
