لم تعد أرقام الميزان التجاري العراقي مجرد بيانات إحصائية عابرة، بل تحوّلت إلى مؤشرات مقلقة تكشف خللاً عميقاً في هيكل الاقتصاد الوطني، وتضع علامات استفهام كبيرة حول مسار التطوير الصناعي وحدود الاكتفاء الذاتي الذي تتحدث عنه الخطط الحكومية منذ سنوات.
ومع كل إعلان جديد لأرقام الاستيراد، يتضح أن العراق ما يزال يعتمد بشكل شبه كامل على الخارج لتأمين احتياجاته الأساسية، في مقابل اقتصاد تصديري أحادي قائم على النفط الخام، من دون قدرة حقيقية على تحويل الإيرادات إلى إنتاج محلي مستدام.
وفي هذا السياق، حذّر الخبير الاقتصادي ناصر الكناني من اختلال خطير في الميزان التجاري العراقي، مؤكداً أن البلاد تستورد معظم احتياجاتها الأساسية مقابل تصدير شبه حصري للنفط الخام، ما يؤشر ضعفاً بنيوياً في الاقتصاد الوطني وغياباً حقيقياً للاكتفاء الذاتي.
وقال الكناني لـ عراق أوبزيرفر إن العراق لا يصدّر فعلياً سوى النفط الخام، في حين يستورد الغذاء والملابس والأدوية ومعظم السلع الاستهلاكية، وهو ما يجعل أي حديث عن سيادة اقتصادية حديثاً منقوصاً .
وأشار الكناني إلى أن حجم الاستيراد السنوي للعراق يصل إلى نحو 60 مليار دولار، إلا أن ما يدخل فعلياً من بضائع حقيقية لا يتجاوز نصف هذا الرقم، موضحاً أن الفارق المالي الكبير يثير تساؤلات جدية بشأن المنافذ الحدودية وآليات الاستيراد والرقابة .
وأضاف أن الاعتماد على دول محددة في الغذاء والطاقة يجعل الأمن الاقتصادي العراقي هشاً، وقابلاً للتحول إلى أداة ضغط سياسية عند أي توتر إقليمي .
ذهب وسيارات
وتُظهر البيانات التجارية أن الاستيرادات العراقية تتركّز بشكل لافت في عدد محدود من السلع، تتصدرها الأجهزة والمعدات الإلكترونية والكهربائية، والمعادن الثمينة وعلى رأسها الذهب، إضافة إلى السيارات ومعداتها، ثم الأجهزة الميكانيكية، ولا سيما أجهزة التبريد، وهي سلع تستحوذ وحدها على أكثر من ثلثي قيمة الاستيرادات الكلية.
في المقابل، تستمر هيمنة عدد محدود من الدول على خارطة التصدير إلى العراق، أبرزها الإمارات والصين وتركيا، ما يعمّق حالة الارتهان التجاري ويقلّص هامش المناورة الاقتصادية.
ويُجمع مختصون على أن استمرار استيراد الغذاء والطاقة والسلع الأساسية، رغم توفر الموارد الطبيعية والمالية، يؤكد فشل السياسات الاقتصادية في تحويل العوائد النفطية إلى مشاريع إنتاجية، خصوصاً في قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة.
وتشير البيانات التجارية إلى أن العراق يستورد سنوياً ما يقارب 60 مليار دولار من السلع والبضائع، في حين لا تتجاوز قيمة الصادرات غير النفطية نسباً هامشية لا تكاد تُذكر، ما يجعل الميزان التجاري مائلاً بشكل شبه كامل لصالح الدول المصدّرة، كما يُظهر هذا الخلل أن العوائد النفطية الضخمة لم تُترجم إلى طاقات إنتاجية داخلية، بل تحوّلت إلى وقود دائم لاقتصاد الاستيراد.
هذا المحتوى مقدم من عراق أوبزيرڤر
