في الحاجة لـ نظرية جديدة" للمجتمع المدني العربي عريب الرنتاوي جو 24 :
لا تدّعي هذه المقالة، إسهاماً تأسيسياً لنظرية جديدة للمجتمع المدني العربي (الفلسطيني بخاصة)، ولا تحتمل دوراً كهذا، بيد أنها إسهام في مراجعة جذرية يتعين على نشطاء هذا المجتمع ومنظريه، القيام بها، في ضوء حصاد تجربة الثلاثين عاماً الفائتة، وبالأخص، ما شهده العامان الأخيران، من تطورات وانقلابات في المشهدين الإقليمي والدولي، إثر طوفان الأقصى وحرب التطهير والإبادة.
بعضٌ من دروس شهد المجتمع المدني العربي طفرة واسعة في العقود الثلاثة الأخيرة، استحدثت انقلاباً في مكوناته وطبيعة القادمين الجدد إلى ملعبه، وتبدلاً في توازنات القوى بين أركانه، تزامناً مع انطلاق مسار برشلونة للشراكة المتوسطية، الذي تزامن وتوازى، مع الاختراق الحاصل في مسار مدريد، وصولاً لأوسلو ووادي عربة...غابت المنظمات ذات العضوية الجماهيرية الواسعة من نقابات واتحادات على اختلاف تصنيفاتها عن الواجهة، لتحل محلها، مؤسسات ناشئة، غالبيتها العظمى، تدور حول شخص واحد، أو حفنة قليلة من الأشخاص، الذين لا صفة تمثيلية لهم، بخلاف النقابات والاتحادات، مؤسسات طغى على الكثير منها سمة "المؤسسة العائلية Family Businesses ، أغدق عليها المانحون من أموالهم، وحجبوه عن منظمات وازنة، إن لعوائق قانونية وإدارية، أو لمواقف مسبقة لهذا المنظمات من "التمويل الأجنبي" وغالباً لمخاوف لدى مجتمعات المانحين، من ذهاب أموال دافعي الضرائب في بلدانهم، إلى غير الأهداف والبرامج التي يتطلعون لتنفيذها...تكفي الإشارة إلى حالة تسيّدت فيها جمعيات لا تضم أكثر من حفنة من الأفراد على المشهد المحلي، وبما يفوق إدوار منظمات جماهيرية راسخة، عمر بعضها من عمر استقلالات بعض البلدان العربية.
ستتراجع فكرة "العمل التطوعي" في أوساط الشباب والأجيال الناشئة، تحت وابل كثيف من الأموال، وقدر نادر من المحاسبة والشفافية والمساءلة، وستصبح هذه المؤسسات هدفاً لموجات من "الهجرة" من الأحزاب السياسية الجدّية، المكلفة في الغالب، سيما في دول الفساد والاستبداد، إلى فضاءات العمل المدني المريحة، مدفوع الأجر تحت مسميات مختلفة، ولتصبح قاعات الفنادق الفاخرة، بديلاً عن الاحتشاد في الشوارع والميادين والعمل بين صفوف الناس في مواقعهم.
وستعمل حكومات وأنظمة عدة، على إغراق المجتمع المدني بمؤسسات من صنعها، وتحت إدارتها وإشرافها، إن بهدف مقاسمة المجتمع المدني الفاعل موارده، أو بالأحرى، لتجفيف موارد هذا النوع من مؤسسات المجتمع المدني، أو للعمل على احتوائه وتدجينه، وتوظيفه في غير "تفويضه" و"وظيفته" كفاعل مستقل بين المواطنين والسلطة التنفيذية، ستصبح ألوف وعشرات الألوف من هذه المؤسسات، أدوات للتشغيل ووسيلة لامتصاص فائض العمالة، ووظيفة لمن لا وظيفة له.
وسيجري استخدام المال المرصود لدولنا من المنح والمساعدات الأوروبية والأمريكية بخاصة، لخدمة أجندات السياسة الخارجية والأمنية لدول المصدر، وفي مقدمتها "التطبيع" مع إسرائيل، إذ كان المال الوفير حاضراً دائماً لدعم كل مشروع يستبطن مكوناً إسرائيلياً على طريقة المدن الصناعية المؤهلة "QIZ وتزامناً معها، وفي مطارح عديدة، تم "العزف على وتر" حاجة مجتمعاتنا العربية لمحاربة التطرف والإرهاب والهجرة، للوصول إلى ما يمكن تسميته، إعادة تشكيل الهوية والوعي الجمعي لشعوبنا ومجتمعاتنا، بما يتخطى موروثها الاجتماعي والثقافي والديني الراسخ...وفي الوقت الذي كانت فيه دول الغرب، تضيق ضرعاً باللاجئين والأجانب وتستهدفهم بالتمييز العنصري والكراهية، والإبعاد إلى دول أفريقية يعتصرها العوز والفاقة، كان المطلوب من مجتمعاتنا المدنية، تخفيف العبء عن دول المركز الغربي، والمنافحة لإدماج المهاجرين بين ظهرانيها، وهي التي بالكاد تجد ماءً وطعاماً لأبنائها وبناتها.
لقد جرت خلال السنوات الثلاثين، أعمق وأخطر عملية "تفتيت" للأجندات والأولويات الوطنية لمجتمعاتنا ودولنا وشعوبنا، وغرق المجتمع المدني العربي، في برامج تقررها سلفاً "دول المنبع"، لتفرض عليها أولويات مصنّعة، ولتغيب عن برامجها أولويات ضاغطة، ولتنشأ في ضوء ذلك كله، موجة من المنظمات والمؤسسات التي يمكن وصفها بـ "Doner Oriented Organizations ، تعمل بوحي من الحكمة المستلهمة من الأفلام والمسلسلات البوليسية الأمريكية: "اتّبع المال "Follow the Money، وبصرف النظر عن نتائج وتأثير ما تقوم به من أنشطة وفعاليات.
كما أظهرت تجارب المجتمع المدني العربي، في دول الأزمات المفتوحة، أن كثرة من مؤسساته و"رموزه"، كانوا أول الملتحقين بـ"الطيور المهاجرة" إلى أحضان د"ول المنبع" وحواضن الاستقرار في الجوار القريب والبعيد (إلا من رحم ربي)، تاركين شعوبهم ومجتمعاتهم، تكتوي بنيران حروبها الداخلية وحروب الآخرين عليها، وستنشأ ظاهرة "متعهدي المؤتمرات"، الخبراء بـ"حيل التذاكر والسفر"، وبعضهم بات مؤهلاً للعمل مستشاراً لأضخم شركات السياحة والفنادق و "Catering ، في العالم...وبعضهم تحول إلى "رؤوس جسور" لدول وعواصم، معروفة بكرهها للإسلام السياسي ومناوئتها للربيع العربي، وميلها الجارف للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ورغبتها الجارفة في "شراء أصوات" النشطاء والمثقفين، فإن تعذّر ذلك، "شراء صمتهم".
بالطبع، لا ينطبق كل ما ذكر، على جميع المنظمات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جو ٢٤
