في أقل من نصف قرن، نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في إعادة رسم علاقتها بالبيئة على نحو جعلها واحدة من أبرز النماذج العالمية في التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية الطبيعة.
فمن أرض صحراوية شحيحة الموارد، نشأت دولة تبني اليوم اقتصاداً متنوعاً منخفض الكربون، وتُصمّم سياسات بيئية قائمة على المعرفة والابتكار، وتشارك في قيادة العمل المناخي العالمي، وتحوّل إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، إلى منظومة مؤسسية متكاملة تعمل وفق أحدث المعايير الدولية.
ومنذ بدايات الاتحاد، شكّل الاهتمام بالبيئة جزءاً أصيلاً من رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي آمن بأن «البيئة ليست ملكاً لجيل واحد، بل أمانة للأجيال المقبلة». هذا الإيمان تحوّل إلى نهج وطني شامل، حيث تواصل القيادة الرشيدة هذا النهج بوعي أكبر يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. وأرسى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، رؤية متكاملة تقوم على دمج البعد البيئي في كل مراحل التنمية، وتعزيز التوازن بين متطلبات الاقتصاد الحديث واستدامة الموارد الطبيعية.
وهذا التحوّل العميق لم يكُن وليد السنوات الأخيرة فحسب، بل امتداداً لرؤية تأسيسية رسّخت العلاقة بين الإنسان والطبيعة في صميم مشروع بناء الدولة. واليوم، ومع تسارع التحديات المناخية عالمياً، تتقدم الإمارات بخطى ثابتة نحو عام 2050، مستندةً إلى استراتيجيات وطنية طموحة، ومبادرات بيئية واسعة النطاق، وتعاون دولي مكثّف، ونظام بحثي يزداد رسوخاً وقدرة على خلق الحلول.
يقول محمد سعيد النعيمي، وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة، إن دولة الإمارات تواصل ترسيخ مكانتها كإحدى الدول الرائدة عالمياً في حماية البيئة والعمل المناخي، من خلال رؤية وطنية متكاملة تجمع بين التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية.
ويضيف: «لقد شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في العمل البيئي والمناخي في الدولة، سواء من حيث التشريعات والسياسات أو من حيث تنفيذ المبادرات والمشروعات الميدانية. وأصبحت حماية البيئة والعمل المناخي جزءاً أساسياً من خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فاليوم، لا ينظر إلى الاستدامة باعتبارها التزاماً بيئياً فحسب، بل كأداة لتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والغذائي للدولة».
ويشير وكيل الوزارة إلى أن استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050 ليست مجرد خطة لخفض الانبعاثات، بل برنامج وطني شامل لتحويل التحديات المناخية إلى فرص تنموية جديدة. وتعمل الاستراتيجية على إعادة تشكيل منظومة العمل في ستة قطاعات رئيسية هي الطاقة، الصناعة، النقل، الزراعة، المباني، والنفايات، مع التأكيد على أن النمو الاقتصادي والعمل المناخي يسيران جنباً إلى جنب.
وقد بدأت الدولة بالفعل تنفيذ مشروعات استراتيجية في مجالات الطاقة النظيفة والتحول الصناعي الأخضر، وتطوير تقنيات النقل المستدام، فيما تُمثل الأجندة الوطنية الخضراء 2030، إطاراً طويل الأجل لتحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد أخضر يعتمد على المعرفة والابتكار.
نموذج عالمي
وبعد خمسة عقود من تأسيس الاتحاد، تقف دولة الإمارات اليوم كنموذج عالمي في دمج التنمية الاقتصادية مع حماية البيئة، حيث لا تُعتبر الاستدامة مجرد شعار، بل ممارسة يومية متجسّدة في السياسات والمشاريع والوعي المجتمعي. ومن الصحراء إلى المدن الخضراء والمشاريع الطموحة للطاقة المتجددة، تؤكد الإمارات أن الإنسان والطبيعة يمكن أن يلتقيا في تناغم وانسجام مستدام، في رؤية وطنية بعيدة المدى تستهدف الحياد المناخي بحلول عام 2050.
ويشير محمد سعيد النعيمي وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة، إلى أن استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050، لا تقتصر على خفض الانبعاثات، بل تشكّل برنامجاً وطنياً شاملاً يربط بين النمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية. ويضيف: «نحن نسعى إلى تحويل التحديات المناخية إلى فرص تنموية، من خلال مشاريع الطاقة النظيفة، والتحول الصناعي الأخضر، والنقل المستدام، والزراعة الذكية، وحماية التنوع البيولوجي، ضمن إطار عمل يدمج البحث العلمي والابتكار والتكنولوجيا».
الزراعة محور أساسي
ويمثل قطاع الزراعة محوراً أساسياً في مساعي دولة الإمارات لمواجهة التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي المستدام.
ويشير محمد سعيد النعيمي، وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة، إلى أن الوزارة تعمل على تنفيذ مبادرات طموحة لتطوير منظومة الإنتاج الزراعي المحلي، ورفع كفاءة استخدام الموارد، بما يشمل تطبيق تقنيات الزراعة الذكية مناخياً والزراعة العمودية والمائية. وقد تم العام الماضي إطلاق المركز الزراعي الوطني، ليكون منصةً وطنية متخصّصة في البحث والابتكار الزراعي، بما يعزّز الإنتاج المحلي من المحاصيل الاستراتيجية ويقلّل الاعتماد على الواردات، مع دعم المزارعين المواطنين بالتدريب والبرامج والتقنيات الحديثة الذكية مناخياً.
وليس الزراعة وحدها محور الجهود، بل تولي الدولة اهتماماً خاصاً بقطاع الثروة السمكية، الذي يُعد رافداً أساسياً للأمن الغذائي الوطني ومكوناً أصيلاً في تراث الإمارات. وتؤكد الوزارة على تطوير ممارسات الصيد المستدامة، التي تضمن الحفاظ على المخزون السمكي للأجيال القادمة، بالتوازي مع تنمية مشاريع الاستزراع السمكي الحديثة، لتلبية الطلب المتزايد على الأسماك مع الالتزام بأعلى معايير الاستدامة البيئية. هذه الإجراءات تأتي ضمن استراتيجية وطنية شاملة للأمن الغذائي، تهدف إلى بناء منظومة غذائية مرنة وقابلة للتكيف مع التغيرات المناخية، وضمان استدامة الموارد الطبيعية.
كما يُعد ملف جودة الهواء من الأولويات الوطنية، باعتباره ركيزة أساسية لجودة الحياة ومحركاً للتنمية المستدامة. ويؤكد النعيمي وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة أن «الأجندة الوطنية لجودة الهواء 2031 تمثّل الإطار الاستراتيجي الذي يوحد الجهود الوطنية ويحدد مستهدفات هذا الملف الحيوي»، مع اعتماد نهج تشاركي يجمع بين الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والأوساط الأكاديمية، لضمان تطبيق أفضل الحلول والتقنيات للوصول إلى هواء نقي ومستدام.
حماية الطبيعة
وفي سياق تعزيز الحضور الإماراتي في مجال حماية الطبيعة، تقول الدكتورة شيخة سالم الظاهري أمين عام هيئة البيئة - أبوظبي: إن «استضافة أبوظبي للمؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) مثّلت محطة محورية في مسيرة ريادة الدولة» مؤكدة أن هذه المؤتمرات وفّرت منصة لاستعراض التجربة الإماراتية في الحلول القائمة على الطبيعة لمواجهة التغير المناخي، وتعزيز كفاءة إدارة الموارد الطبيعية وحماية التنوع البيولوجي عبر سياسات علمية مبتكرة.
وتضيف: «الحفاظ على الطبيعة ليس هدفاً بيئياً فحسب، بل التزاماً وطنياً مستمراً، يتحقق من خلال تحويل مخرجات هذه المؤتمرات إلى مشاريع واقعية على أرض الواقع، بما يدعم الأجندة البيئية العالمية ويعزّز شراكات دولية فاعلة».
وتتجلى رؤية الإمارات أيضاً في حماية التنوع البيولوجي والنظم البيئية، حيث تم تطوير شبكات المحميات الطبيعية وتوسيع نطاقها لتشمل مختلف المناطق، مع مشاريع نوعية لإعادة تأهيل الموائل الطبيعية واستزراع الشعاب المرجانية وزراعة أشجار القرم.
وفي هذا الإطار، يشير محمد سعيد النعيمي وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة إلى أن الدولة قامت حتى الآن بزراعة أكثر من 50 مليون شجرة قرم باستخدام تقنيات حديثة مثل الطائرات من دون طيار وتحديد المواقع الدقيقة للزراعة، ضمن تحقيق هدف زراعة 100 مليون شجرة بحلول عام 2030. وتعكس هذه المبادرات اهتمام الإمارات بالحلول القائمة على الطبيعة، وهو.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية





