عالم منقسم اقتصادياً.. أين يذهب الدخل ومن يملك الثروة؟

ليس من الصعب اليوم أن يشعر الفرد بأن الاقتصاد العالمي لا يعمل بالطريقة نفسها للجميع، لكن تقرير اللامساواة العالمي 2026 يضع هذا الإحساس في أرقام صريحة. ويكشف التقرير أن العالم لا يعيش فجوة واحدة، بل شبكة متداخلة من الفجوات، بين الأقاليم، وداخل الدول، وبين النساء والرجال، وحتى بين من يلوّثون الكوكب ومن يدفعون الثمن.

منذ أوائل القرن التاسع عشر، حافظت أميركا الشمالية وأوقيانوسيا وأوروبا على موقعها في قمة هرم الدخل العالمي. واليوم، يقف متوسط دخل الفرد في هذه المناطق على أعتاب مستويات غير مسبوقة، مع توقعات بتجاوز 45 ألف يورو سنوياً في أميركا الشمالية وأوقيانوسيا بحلول 2025.

في المقابل، لا تزال مناطق شديدة الكثافة السكانية مثل جنوب وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا جنوب الصحراء، عالقة عند مستويات دخل متدنية، لا يتجاوز متوسطها في بعض الحالات 3,500 يورو سنوياً.

هذا التباين الإقليمي ليس مجرد اختلاف في الأرقام، بل اختلال هيكلي، فالأقاليم الأعلى دخلاً تمثل حصة محدودة من سكان العالم، بينما تتركز الكتلة السكانية الأكبر في المناطق الأقل دخلاً. النتيجة أن النمو العالمي، رغم ضخامته، لا يُترجم إلى تحسن متوازن في مستويات المعيشة.

ورغم هذا المشهد القاتم، يلفت التقرير إلى استثناء لافت يتمثل في شرق آسيا، إذ شهدت المنطقة لحاقاً اقتصادياً سريعاً منذ مطلع الألفية، مع نمو سنوي يقارب 5%. لكن هذا النجاح الإقليمي لم يُلغِ حقيقة أن إفريقيا جنوب الصحراء ما زالت المنطقة الأفقر عالمياً، سواء من حيث الدخل أو الثروة.

اللامساواة داخل الأقاليم.. فجوة لا تقل حدّة إذا كانت الفجوة بين الأقاليم واسعة، فإن ما يحدث داخل كل إقليم لا يقل خطورة، في معظم مناطق العالم، يحصل أغنى 1% من السكان على دخل يفوق ما يحصل عليه أفقر 50% مجتمعين. تخرج أوروبا وحدها جزئياً عن هذه القاعدة، إذ يتمكن نصف السكان الأدنى دخلاً من الحصول على نحو 19% من إجمالي الدخل، وهي النسبة الأعلى عالمياً.

في عام 2025، يعيش معظم من يقل دخلهم الشهري عن المتوسط العالمي، البالغ نحو 1,300 يورو، في إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب وجنوب شرق آسيا. في المقابل، يتمتع سكان أميركا الشمالية وأوقيانوسيا بأعلى متوسط دخل شهري في العالم، يقارب 3,800 يورو، أي ما يعادل نحو 13 ضعف دخل الفرد في إفريقيا جنوب الصحراء.

من الدخل إلى الثروة.. تركّز أشد واختلال أعمق يؤكد التقرير أن اللامساواة في الثروة أشد تطرفاً من اللامساواة في الدخل، فبينما يحصل أغنى 10% من سكان العالم على أكثر من نصف الدخل، فإنهم يملكون ما يقارب ثلاثة أرباع الثروة العالمية، في حين لا يمتلك أفقر نصف السكان سوى نحو 2%. منذ منتصف التسعينيات، نمت الثروة العالمية بوتيرة أسرع من الدخل، لكن معظم هذا النمو تركز في الثروة الخاصة، لا العامة. بات شرق آسيا اليوم أكبر مالك للثروة عالمياً، متجاوزاً أوروبا، التي تراجعت حصتها بشكل واضح نتيجة بطء تراكم الثروة. أما أميركا الشمالية وأوقيانوسيا، فحافظتا على موقعهما، مع تراجع الثروة العامة إلى مستويات سلبية في بعض الحالات.

الضرائب والتحويلات.. ما الذي ينجح فعلاً؟ يرصد التقرير بوضوح أن إعادة التوزيع ليست مسألة نظرية، بل أداة فعالة حين تُستخدم بجدية، ففي أوروبا، تؤدي الضرائب والتحويلات الاجتماعية إلى تقليص فجوة الدخل بين أعلى 10% وأدنى 50% من نحو 19 إلى 10 أضعاف. لكن الصورة تختلف في مناطق أخرى، إذ تكون الضرائب أقل تصاعدية، أو حتى تراجعية، ما يقلل من فعاليتها.

اللافت أن التحويلات الاجتماعية، مثل المعاشات والدعم النقدي، تمثل العامل الأكثر تأثيراً في تقليص اللامساواة، إذ تسهم بأكثر من 90% من أثر إعادة التوزيع، مقارنة بدور محدود نسبياً للضرائب وحدها. اللامساواة ليست اقتصادية فقط يتوسع التقرير ليشمل أبعاداً أخرى، أبرزها اللامساواة الجندرية، فعلى مستوى العالم، لا تحصل النساء إلا على نحو ربع دخل العمل، وهي نسبة لم تشهد تغيراً يُذكر منذ التسعينيات. وعند احتساب العمل غير المدفوع، كالرعاية والأعمال المنزلية، يتضح أن النساء يعملن ساعات أكثر من الرجال، لكن بدخل أقل بكثير.

كما يكشف التقرير عن وجه آخر للامساواة، يتمثل في المناخ، فالأغنى عالمياً، وخصوصاً مالكي رأس المال، مسؤولون عن الحصة الأكبر من الانبعاثات، بينما تتحمل الفئات الأفقر العبء الأكبر من الخسائر المناخية، في مفارقة تظهر خللاً مزدوجاً في التوزيع والمسؤولية. يقدّم تقرير اللامساواة العالمي 2026 رسالة واضحة، مفادها أن الفجوات الاقتصادية ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة خيارات سياسية ومؤسسية. وبينما يمتلك العالم الأدوات الكفيلة بتقليص اللامساواة، من ضرائب تصاعدية إلى استثمارات عامة عادلة، يبقى السؤال الحقيقي متعلقاً بالإرادة السياسية، لا بالإمكانات الاقتصادية.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 7 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 13 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 18 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 9 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 40 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 16 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 13 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات