لماذا يهدد ترامب بالحرب على نيجيريا؟ #الاردن

لماذا يهدد ترامب بالحرب على نيجيريا؟ جو 24 :

لا يكاد يخفى التأثير الكبير لقناة فوكس نيوز ذات التوجه اليميني المحافظ في الدوائر المحيطة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبحسب "سي إن إن" تجلى هذا التأثير كأوضح ما يكون في الإعلان غير المألوف لترامب في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بخصوص نيجيريا، الدولة الواقعة في غرب أفريقيا على بعد آلاف الأميال من الأراضي الأميركية.

بدأ الأمر عندما شاهد ترامب تقريرا لفوكس نيوز على متن طائرته الرئاسية أثناء رحلة إلى فلوريدا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. ادعى التقرير وجود استهداف ممنهج للمسيحيين في نيجيريا وهو ما جعل ترامب "يستشيط غضبا"، طالبا من مرافقيه الاطلاع على مزيد من المعلومات حول القضية.

بيد أنه لم ينتظر المعلومات طويلا، فبعد فترة قصيرة من هبوط طائرته في ويست بالم بيتش، بدأ في النشر بحماس حول القضية على منصته "تروث سوشيال".

أعلن الرئيس الأميركي أنه سيصنف نيجيريا "دولة مثيرة للقلق بشكل خاص" (CPC) استنادا إلى قانون الحرية الدينية الدولية لعام 1998 الذي يمنح وزارة الخارجية الأميركية سلطة رصد الدول التي تنتهك حرية الدين والمعتقد، ومعاقبتها.

وكتب ترامب على منصته قائلا: "المسيحية تواجه تهديدا وجوديا في نيجيريا. يُقتل آلاف المسيحيين في البلاد، والإسلاميون المتطرفون مسؤولون عن هذه المذبحة الجماعية".

في الأيام التالية، تصاعدت حدة الخطاب أكثر، بعدما أعلن ترامب أنه إذا "استمرت حكومة نيجيريا في السماح بقتل المسيحيين"، فإن الولايات المتحدة "ستوقف فورًا جميع المساعدات والدعم المقدم لها، وقد تقتحم هذا البلد الذي بات ملطخًا بالعار للقضاء تماما على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع المروعة"، بحسب قوله.

وقرر الرئيس الأميركي إرسال بعثة لتقصي الحقائق بقيادة عضو الكونغرس رايلي مور مهمتها التحقيق في مسألة اضطهاد المسيحيين في الدولة الأفريقية، فيما أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن بلاده ستفرض قيودًا على إصدار التأشيرات للأفراد الذين يقدمون المساعدة أو التمويل أو الدعم لقتل المسيحيين في نيجيريا. بالتوازي مع التحركات السياسية، رفع ترامب سقف التهديدات العسكرية، قائلا إنه أصدر تعليماته لوزارة الحرب بالاستعداد لأي تحرك عسكري محتمل، ربما يشمل غارات جوية وإنزال قوات برية، مشيرا إلى أن هذا التحرك "سيكون سريعًا وعنيفًا، تمامًا كما يهاجم الإرهابيون مسيحيينا الأعزاء".

هذا الخطاب، الذي جمع بين المواقف الدبلوماسية الصارمة والتلويح بالخيارات العسكرية الخطيرة والإطار الديني الإنجيلي، يشكّل أحد أوضح التهديدات العسكرية، وأكثرها مباشرة وخطورة ضد دولة أفريقية في التاريخ القريب للسياسة الخارجية الأميركية، وهو تهديد تطلقه القوة الأكبر في العالم، مغلفا بسردية دينية مستدعاة من غياهب العصور الوسطى.

ردت نيجيريا بحسم على ترامب على لسان الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو الذي رفض الاتهامات الأميركية، مؤكدا أن "وصف نيجيريا بأنها دولة غير متسامحة دينيا لا يعكس واقعنا الوطني"، ومشيرًا إلى "الجهود المتواصلة والصادقة" التي تبذلها إدارته لحماية حرية الدين والمعتقد لجميع النيجيريين.

وأصدر الاتحاد الأفريقي بيانا رسميا يدافع عن سيادة نيجيريا ويحذر من "استغلال الدين كسلاح أو تبسيط التحديات الأمنية بشكل مفرط". ولكن في كواليس التهديدات الأميركية، تظهر -كما العادة- دوافع خفية يرجح أنها حركت الولايات المتحدة لإصدار تهديدات على هذا المستوى، وهي دوافع تتجاوز الاهتمام "المصطنع" بأوضاع المسيحيين الأفارقة على بُعد آلاف الأميال من أراضيها.

ما الذي يحدث في نيجيريا حقا؟ لا يمكن فهم السياق الكامل لتهديدات ترامب، دون إحاطة سريعة بالمشهد السياسي والديني في نيجيريا، وهو مشهد أكثر تعقيدا من سردية ترامب -المبسطة بشكل مخل- حول الصراع الإسلامي المسيحي واضطهاد المسيحيين في البلاد.

سياسيا، تعد نيجيريا جمهورية رئاسية اتحادية على غرار النظام الأميركي بموجب دستور عام 1999 الذي دشن رسميا عودة البلاد إلى الحكم الديمقراطي المدني بعد 15 عامًا من الحكم العسكري ودشن معها بداية الجمهورية الرابعة في نيجيريا، التي حافظت على هياكلها الديمقراطية الرسمية لأكثر من ربع قرن رغم التحديات المستمرة التي تواجهها.

يُقسّم النظام الاتحادي السلطة بين الحكومة الوطنية وحكومات الولايات (36 ولاية)، ويمنح الولايات استقلالية كبيرة في إدارة شؤونها المحلية، فيما تُمارس السلطة التشريعية في البلاد من خلال برلمان ثنائي الغرفة (مجلس الشيوخ ومجلس النواب).

ونيجيريا هي دولة علمانية رسميا بموجب دستورها حيث لا يوجد دين رسمي للدولة، على الرغم من أن الإسلام والمسيحية هما الديانتان الرئيسيتان في البلد الأفريقي وهما تؤثران بشكل كبير على الحياة العامة.

ورغم عدم وجود ترتيب دستوري ينظم ديانة الرئيس، تناوب رؤساء مسيحيون ومسلمون على المنصب خلال حقبة الحكم العسكري وحتى بعد الانتقال إلى الديمقراطية.

كان أولوسيجون أوباسانجو، المسيحي البروتستانتي، أول رئيس لنيجيريا في الحقبة الديمقراطية وتتابع من بعده الرؤساء من المسلمين والمسيحيين على السواء.

وبسبب التنوع العرقي والديني غالبا ما تسعى الأحزاب الكبرى لتقديم الرئيس ونائبه من ديانتين مختلفتين لضمان القبول الوطني، رغم أن الرئيس الحالي بولا تينوبو (مسلم) خرق هذا التقليد بتسمية كاشم شيتيما مصطفى (وهو مسلم أيضا) نائبا له خلال انتخابات عام 2023. اجتماعيا، يمثل سكان نيجيريا البالغ عددهم حوالي 230 مليون نسمة، أحد أكثر المجتمعات تنوعا دينيا وعرقيا في أفريقيا. ينقسم البلد بالتساوي تقريبا بين السكان المسلمين (53%) والمسيحيين (45%) بينما يعتنق بقية سكان البلاد (أقل من 2%) الديانات الأفريقية التقليدية.

ويتركز المسلمون بشكل أساسي في الولايات الشمالية، بينما يهيمن المسيحيون على المناطق الجنوبية، في حين تتميز منطقة "الحزام الأوسط" بتنوعها الديني.

إلا أن هذا الوصف الديمغرافي المبسط يخفي واقعًا أكثر تعقيدًا، فأبوجا تضم أكثر من 500 جماعة عرقية متميزة، وغالبًا ما يتقاطع فيها الدين مع العرق، مع التنافس الاقتصادي بطرق تتجاوز التصنيف الطائفي البسيط.

هذه العوامل المتداخلة تلقي بظلالها الثقيلة على العنف المزمن في البلد الأفريقي. وبحسب "بي بي سي" يمثل الشمال الشرقي أهم بؤر العنف حيث تنشط كل من جماعة "بوكو حرام" منذ عام 2009 و"تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا" (الذي انشق عن بوكو حرام عام 2016).

وهذان التنظيمان -رغم طابعهما الإسلامي المعلن- يستهدفان المسلمين والمسيحيين على السواء، فقد أطلقت الجماعتان نيرانهما على المساجد واختطفتا الفتيات والفتيان المسلمين من المدارس الثانوية، واستهدفتا المسلمين الذين تعتبرهم الجماعة مرتدين أو غير ملتزمين بما يكفي بتفسيرها للإسلام.

بالانتقال إلى الشمال الغربي، تتغير خارطة العنف وهويته بظهور ما يسمى محليا بـ"قطاع الطرق" وهم عصابات إجرامية منظمة تباشر عمليات اختطاف جماعي وتشن هجمات على القرى الريفية من أجل سرقة الأغنام واحتجاز الرهائن بهدف جمع أموال الفدية.

هذه الممارسات تطال المزارعين المسيحيين تماما كما تنال من مزارعي الهوسا المسلمين، مما يكشف أن العنف في هذه المناطق مدفوع في المقام الأول بالجريمة وسرقة الموارد وليس بالأيديولوجيا الدينية. أما في ولايات الحزام الأوسط فنجد صراعًا عنيفًا ودمويًا بين رعاة الماشية (مسلمين على الأغلب) والمزارعين (أغلبهم مسيحيون) لكنه صراع حول الأراضي والموارد والمياه والمراعي وليس حول الدين والهوية.

تمتعت هذه المجتمعات تاريخيا بعلاقات تكاملية، حيث كان الرعاة والمزارعون يبادلون الحليب بالحبوب، قبل أن يتسبب التغير المناخي والتصحر في تقليص مساحات الأراضي ويخلق تنافسا حول الموارد بين المزارعين والرعاة.

دفع هذا التنافس المزارعين المسيحيين لادعاء ملكية الأراضي المخصصة لحركة قطعان رعاة الفولاني (المسلمين)، بموجب نظام "البورتي" المبرم خلال الحقبة الاستعمارية لتنظيم حركة الماشية، ما تسبب في انهيار نظام اجتماعي راسخ منذ قرون.

في المقابل، اضطر رعاة الفولاني إلى النزوح جنوبا نحو مناطق كانت تُزرع تقليديا من قِبل مجتمعات مستقرة ذات أغلبية مسيحية، مما عمق التنافس العنيف حول الأراضي والموارد.

إلى الجنوب الشرقي يظهر نوع مختلف من العنف من حيث طبيعته وأهدافه. ويتمركز في تلك المنطقة الانفصاليون المسيحيون، من عرقية الإيغبو، الساعون لإحياء دولة بيافرا البائدة، وهي دولة انفصالية مؤقتة نشأت بين عامي 1967-1970 وتسبب إعلانها في نشوب حرب أهلية دامية.

هؤلاء الانفصاليون يسعون إلى أهدافهم من خلال العنف ضد المؤسسات الحكومية والمدنيين في المنطقة ومعظمهم من المسيحيين، وفي هذه الحالة فإن المسيحيين هم من يقتلون المسيحيين للتنافس على السلطة السياسية.

تُجسّد هذه الصراعات بامتدادها الجغرافي الشاسع، والاختلاف الواضح في محركاتها وأهدافها ثغرة واضحة في "الغلاف الديني" الذي يتبناه ترامب ورموز إدارته.

فالدوافع الرئيسية لهذا العنف لا تدور حول الأيديولوجيا الدينية، بقدر ما تتعلق بالتنافس على الموارد والصراعات على السلطة السياسية، وتباين الانتماء العرقي وحتى النزعات الإجرامية.

هذه الدوافع تغذيها عوامل كامنة مثل الفقر، والتفكك الاجتماعي، وإخفاقات النخب الحاكمة وقصور النظام السياسي. وحتى حين يتم حشد الهويات الدينية والعرقية في روايات الصراع، فإنها تستخدم غالبا غطاء لتعمية الأسباب الجذرية الأخرى للعنف.

"الحقائق الزائفة".. ثغرة في الرواية الأميركية تتغافل الإدارة الأميركية والإعلام اليميني المناصر لها عن كل هذه التعقيدات، ومنهم أصوات بارزة مثل مقدم البرامج التلفزيونية الأميركي بيل ماهر، الذي سبق أن وصف الإسلام بأنه "مافيا"، والذي حرص مؤخرا على تصوير إبادة جماعية مزعومة ضد المسيحيين في نيجيريا.

ولفعل ذلك، غالبا ما يُستشهد بتقارير غير دقيقة أو تفتقر إلى السياق السليم، ومنها تقرير لمنظمة "أبواب مفتوحة" المسيحية يتحدث عن مقتل 3100 مسيحي في نيجيريا بسبب معتقداتهم الدينية في الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسبتمبر/أيلول 2024.

أما التقرير الأهم، والأكثر استشهادا في هذا السياق، فصدر عن منظمة إنترسوسايتي "الكاثوليكية" زاعما مقتل 7087 مسيحيا في أول 220 يومًا من عام 2025 فقط، أي ما يقارب 32 شخصا يوميا، كما تحدث عن تدمير أكثر من 19 ألف كنيسة، وتشريد أكثر من 1100 مجتمع مسيحي، والاستيلاء على 20 ألف ميل مربع من الأراضي المملوكة للمسيحيين، فضلا عن اختطاف 600 رجل دين مسيحي ومقتل العشرات منهم منذ عام 2009.

فنيا، تفتقر هذه التقارير إلى منهجية واضحة ولا تفصح عن طرق دقيقة للإحصاء ولا تتبين بشكل كاف من هوية الضحايا (صنفت الكثير من القتلى مسيحيين دون دليل) مما يجعلها موضع شك كبير، حتى من قِبَل الصحافة الغربية، مثل بي بي سي التي أشارت إلى أن تقارير إنترسوسايتي، التي استشهد بها سياسيون أميركيون بارزون مثل السيناتور تيد كروز والنائب رايلي مور (الذي سماه ترامب.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من جو ٢٤

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جو ٢٤

منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
موقع الوكيل الإخباري منذ ساعة
قناة المملكة منذ 16 ساعة
خبرني منذ 3 ساعات
خبرني منذ 4 ساعات
خبرني منذ 16 ساعة
قناة رؤيا منذ 7 ساعات
موقع الوكيل الإخباري منذ 7 ساعات
صحيفة الرأي الأردنية منذ ساعة