رئيس مركز العرب للرصد والتحليل
ليس من السهل أن يُكتب عن السودان اليوم من دون الإحساس بأننا نكتب عن دولة تقف حرفياً وسط مفترق طرق حقيقي حرب ممتدة منذ أبريل 2023، جيش يقاتل على جبهات متشعبة، اقتصاد ينهار طبقة بعد أخرى، ومجتمع أنهكته الهجرة والنزوح والجوع، بينما تتقاطع فوق الأرض السودانية مصالح قوى إقليمية ودولية ترى في الموانئ والذهب والموقع الاستراتيجي ما يفوق اهتمامها بمصير الإنسان.
في قلب هذا المشهد المعقد، يقف الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، محاولاً إدارة معركة بقاء الدولة قبل أي شيء آخر تحركاته الأخيرة، ولا سيما مقاله المنشور في وول ستريت جورنال أواخر نوفمبر، لم يكن رأياً سياسياً عابراً بل رسالة سياسية مشفّرة بعناية، موجهة إلى الغرب، مفادها أن السودان لا يزال دولة تبحث عن شراكة لا عن وصاية، وعن دعم للاستقرار لا عن إدارة أزمة من بعيد.
البرهان هنا لا يناور ترفاً ولا يتقلب بين المحاور بلا بوصلة ما يفعله هو انعكاس مباشر لوضع دولة محاصَرة بالجغرافيا وبالحرب وبميزان القوى الدولية السودان لا يملك رفاهية الاصطفاف الصريح، بل يضطر إلى إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الجميع، لأن كلفة الإغلاق في هذه المرحلة قد تعني انهيار ما تبقى من الدولة.
في هذا السياق، تكتسب زيارة البرهان إلى الرياض بدعوة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أهمية تتجاوز بعدها البروتوكولي. فالرياض، في عهد الأمير الزعيم محمد بن سلمان، لم تعد مجرد عاصمة سياسية، بل تحولت إلى مركز ثقل إقليمي تُدار من خلاله ملفات الحرب والسلام، وتُصاغ فيه معادلات التوازن لا على حساب الاستقرار بل بحثاً عنه.
الدور الذي يلعبه الأمير محمد بن سلمان في صناعة السلام الإقليمي لم يعد محل جدل. من اليمن إلى ملفات التهدئة الإقليمية، ومن إعادة تعريف العلاقات مع القوى الدولية إلى بناء شبكة توازنات دقيقة، بات واضحاً أن السعودية في هذه المرحلة لا تبحث عن صراعات إضافية، بل عن استقرار طويل الأمد يحمي المنطقة من الانفجار. والسودان، بحساسيته الجغرافية وتشابكاته، يقع في قلب هذا الإدراك السعودي.
زيارة البرهان جاءت في لحظة إقليمية بالغة الحساسية، تزامنت مع حراك سعودي مصري واضح بشأن السودان، ومع استضافة الرياض المنتدى العالمي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات بحضور الأمين العام أنطونيو غوتيريش. هذا التزامن لم يكن صدفة؛ بل يعكس رؤية سياسية ترى أن السلام لا يُبنى فقط عبر البيانات، بل عبر جمع المسارات: الحوار الدولي، الضغط الدبلوماسي، والعمل الإقليمي الهادئ.
منتدى تحالف الحضارات، بشعاره.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوئام
