الأعمال العائلية.. الإرث بين الملكية والمشاركة

تمثل الوصية في جوهرها أحد أشكال العدالة والإنصاف، أو هذا ما يعتقده معظم الأشخاص عند الحديث عن توزيع الممتلكات بعد الوفاة. فحين يصرح الأفراد بأن ثرواتهم يجب أن تُقسم بالتساوي بين الورثة، يبدو الأمر في الظاهر واضحاً ونبيلاً، لكنه في الواقع أكثر تعقيداً مما يتصور الكثيرون. ونظراً لاتسام العلاقات العائلية بالتعقيد، وتباين الأصول من حيث الطبيعة والموقع، والتغير المستمر للظروف الاجتماعية والاقتصادية، فإن ما يبدأ كإجراء روتيني لتوضيح الإرث قد يتحول دون تصميم دقيق ومدروس، إلى بؤرة صراعات وتوترات عائلية قد تترك أثراً طويل الأمد على العلاقات الأسرية.

وغالباً ما يُنظر إلى الوصايا على أنها مجرد قوائم بأسماء الورثة ونسب ممتلكاتهم، لكن الحقيقة أن الوصية أداة قانونية رفيعة المستوى تحدد مسار انتقال ثمار حياة الإنسان إلى الآخرين. والسؤال هنا لا يقتصر على تحديد هوية من سيحصلون على الميراث، بل يمتد ليشمل كيفية إتمام هذا الانتقال، وتحت أي شروط، والآثار العاطفية والمالية المترتبة عليه. وهنا يبرز الفرق بين الوصية التقليدية العامة، والوصية المُحكمة بعناية لتكون صمام أمان للعلاقات الأسرية والأصول على حدٍ سواء.

معضلة العقارات غالباً ما تشكّل العقارات محور التحدي الأكبر في تخطيط الميراث؛ فقد تمتلك العائلة عدة عقارات، أحياناً بشكل مشترك، وأحياناً موزعة على عددٍ من مناطق الاختصاص القضائي، ما يزيد تعقيد الإدارة والانتقال عند الوفاة.

وعندما يحصل كل وريث على حصة غير مقسمة، يبدو الأمر عادلاً على الورق، لكنه سريعاً ما يتحول إلى مأزق حقيقي. فقد يرغب أحد الورثة في البيع لتوفير السيولة، فيما يفضل آخر الاحتفاظ بالممتلكات لأسباب عاطفية أو تاريخية، بينما قد يفتقر وريث ثالث إلى الموارد المالية لدفع الرسوم أو الضرائب المتعلقة بالملكية.

دون صياغة دقيقة تُعالج هذه الوقائع بوضوح، قد تُترك الملكية معلّقة في حالة من الشلل، أو تُدفع العائلة إلى البيع تحت الضغط والإكراه. أما الوصية المُحكمة، فهي تأخذ هذه التعقيدات في الحسبان، وتضع آليات واضحة لمعالجتها، مثل السماح لأحد الورثة بشراء حصة الآخر، أو تخصيص سيولة لتغطية التكاليف المرتبطة بالعملية. الأعمال العائلية تفرض الشركات العائلية تحدياً فريداً في التخطيط للميراث؛ فالأعمال التي يمضي روّاد الأعمال عقوداً طويلة في إنشائها غالباً ما تتحول إلى إرث عائلي ثمين. وعندما تُقسم حصص هذه الشركات بالتساوي بين الورثة، يفترض البعض أن الملكية تعني بالضرورة المشاركة الفعلية في الإدارة، لكن الواقع غالباً ما يكون مختلفاً. فقد يكون أحد الأبناء يدير الشركة بنشاط، بينما الآخر يفتقر إلى الرغبة أو الخبرة. وإذا لم تُفرّق الوصية بين الملكية والمشاركة، قد تنشأ مشاعر الاستياء بين الورثة. فقد يشعر الابن المنخرط في إدارة العمل بأن العبء يقع عليه وحده، فيما ينعم الآخرون بعوائد مشروع لم يعودوا من المساهمين في استمراريته. لذلك، تشتمل بعض الوصايا على نصوص تطلب إجراء تقييم مهني للشركة عند وفاة المالك، مع توفير خيار الشراء للورثة الراغبين في الاستمرار، بحيث يُعوضون الورثة الذين يختارون الانسحاب. هذا النهج يحفظ استقرار الأعمال، ويضمن وضوح تناقل الميراث، مع حماية العلاقات الأسرية من أي توترات محتملة. السيولة والتوازن المالي.. مفتاح العدالة العملية نادراً ما تتكون ثروة الأسرة من أصلٍ واحد؛ فهي غالباً تضم مزيجاً من العقارات والأسهم والسيولة النقدية والأصول العابرة للحدود. وعندما تختلف الأصول من حيث السيولة والموقع بين الورثة، قد يؤدي التقسيم المتساوي على الورق إلى خلل فعلي في العدالة العملية. وهنا تأتي أهمية وضع آلية مالية داخل خطة التركة تعمل على موازنة الميراث، بحيث تتوافق الممتلكات غير المنقولة لأحد الورثة مع النصيب النقدي للآخر. تصبح هذه الآليات حيوية أيضاً عندما تتداخل الضرائب، أو تكاليف النقل، أو القيود القانونية عبر مناطق الاختصاص القضائي المختلفة. كما أن الأسر ذات الروابط الدولية تواجه تحديات إضافية، إذ قد يكون بعض الورثة مقيمين أو مواطنين في دول مختلفة، لكل منها نظام ضريبي خاص بالثروة الموروثة. ومن دون تخطيطٍ مسبق، قد يتحوّل الإرث الذي من المفترض أن يكون عوناً أو هدية إلى عبء مالي ثقيل، يعرّض المستفيد لالتزامات ضريبية كبيرة في الخارج. والبنود التي تراعي هذه التعقيدات، عبر تخصيص صناديق مخصّصة أو استخدام أدوات تخطيط عابرة للحدود، تحوّل التركة من مجرد ممتلكات إلى مصدر رزقٍ حقيقي للورثة.

التخطيط الذكي للميراث.. العدالة الواقعية العدالة في الإرث ليست مسألة حسابية، بل هي ظرفية وتعكس وعياً دقيقاً بالسيولة، والضرائب، وطبيعة الأسرة، وخصوصيات كل وريث. فتساوي الحصص على الورق قد يعطي وهم العدالة، لكنه غالباً لا يحققها فعلياً. أما النصوص المدروسة والآليات الذكية، فهي التي تضمن تحقيق العدالة وتجنّب النزاعات المستقبلية. وتغفل الكثير من العائلات عن هذه التفاصيل الدقيقة لأن كتابة الوصايا باتت تُمارس بوصفها إجراءً روتينياً لا أكثر. وفي الاقتصادات المتسارعة مثل دولة الإمارات، حيث تتغير ملكية الأصول بشكل متكرر، قد تتحول الوصية الجامدة إلى مصدر للمشكلات. أما الوصية المُحكمة بعناية، فتمنح المرونة اللازمة لتقييم الأصول وقت الوفاة، مع مراعاة السيولة واحتياجات كل وريث، مما يضمن تحقيق الأمن المالي والاستقرار الأسري معاً. النقاشات الأكثر أهمية تتمتع عادةً النقاشات التي تقود إلى صياغة وصية مناسبة بخصوصية معينة، وقد تسودها أحياناً حالة من عدم الارتياح، حيث تنطوي على مجموعة من الأسئلة العملية لتحديد الأشخاص الذين سيقومون بإدارة الأعمال، والذين يمتلكون السيولة، والذين سيتحملون التبعات الضريبية الخارجية. ويساعد تحديد الأشخاص الموكّلين بهذه المهام على تجنب أي التباس قد يحصل في وقتٍ لاحق، إذ تعكس صياغة الوصية بشكل صحيح بُعد النظر والتفكير المستقبلي المناسب، وتساعد العائلات على التعامل بشكل واضح ودقيق في مثل هذه المواقف.

ولا يقتصر الهدف من تخطيط الإرث على توزيع الثروة، بل يتمحور حول تعزيز الاستقرار والمحافظة عليه؛ فهو يضمن توفير رؤية واضحة للورثة بدلاً من حصول نزاعات فيما بينهم، كما يسهم في ترسيخ العلاقات التي تم بناؤها خلال مسيرة حياة صاحب الإرث. ويؤكد ذلك أهمية هذا الحوار في أي نقاش حول إجراءات التخطيط للميراث.

لمحة حول بوجا بهاتيا بوجا بهاتيا هي مستشارة قانونية في شركة معاً، تتولى إدارة جميع القضايا القانونية بأعلى مستويات الدقة المهنية والتعاطف الإنساني. وتتمتع بمؤهلاتٍ عدة بصفتها محامية مختصة مسجّلة لدى مجلس نقابة المحامين في ولايتيّ ماهاراشترا وغوا، ومستشارة قانونية لدى رابطة المحامين في بومباي، كما أُدرج أسمها رسمياً على الموقع الإلكتروني لمحاكم مركز دبي المالي العالمي. وتحمل بوجا خبرة واسعة تمتد لأكثر من 20 عاماً في مجالات القانون العقاري، وقضايا الشركات، والاتفاقات العائلية، وتخطيط الإرث، مما أكسبها اطلاعاً كبيراً وحضوراً مميزاً، وتقوم أيضاً بمساعدة العملاء على إعداد وتسجيل الوصايا، ومتابعة الإجراءات القانونية مع العائلات في حالات الوفاة، كما تعمل على إدارة عمليات نقل الملكية وتوثيق الإرث، بما يضمن امتثال هذه الخطوات للقوانين وتوافقها مع رغبات الأفراد المعنيين. وبفضل عملها المباشر مع العائلات وأصحاب الشركات ومطوري الأعمال، تميزت بوجا بقدرتها على تبسيط الإجراءات القانونية المعقدة، وسعيها لتقديم حلول واضحة وعملية تراعي خصوصية مختلف الحالات. وتتمثل رسالتها في تقديم المساعدة اللازمة للعملاء لإنجاز هذه الخطوات بشكل يتسم بالوضوح والثقة وراحة البال خلال هذه الأوقات الصعبة من حياتهم. تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 4 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 56 دقيقة
قناة العربية - الأسواق منذ 20 ساعة
صحيفة الاقتصادية منذ 22 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 56 دقيقة
صحيفة الاقتصادية منذ 9 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 7 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعتين
قناة CNBC عربية منذ 7 ساعات