«من خلال التخطيط للخروج البارع من هذا النوع من الهيمنة، يمكن لإمبراطورية أن تطيل من أمد بقائها.. ليس هناك أفضل بالنسبة لأميركا من تهيئة العالم لاحتمال زوالها»، بهذه الفكرة المكثفة لخّص أندرو باسيفيتش، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن، جوهر التحول في التفكير الإستراتيجي الأميركي، حين تساءل عام 2009: ماذا حققت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ ثمانينيات القرن الماضي؟ ولماذا لم تُوظَّف الموارد الهائلة التي أُنفقت في العراق وأفغانستان في فضاء جغرافي أكثر أهمية للأمن القومي الأميركي، مثل المكسيك وأميركا اللاتينية؟
هذا السؤال لا ينتمي إلى رفّ التنظير الأكاديمي فحسب، بل أصبح اليوم مدخلاً لفهم عقيدة ترامب، بوصفها تعبيراً صريحاً عن مراجعة أميركية عميقة لتجربة التدخلات الخارجية المكلفة، وعن قناعة آخذة في الترسّخ داخل النخبة الأميركية بأن التمدد العسكري في الجغرافيا البعيدة لم يعد ضمانة لاستمرار الهيمنة، بل بات أحد أسباب الإنهاك والتراجع، فأمريكا باختصار لم تكن بحاجة إلى انتصار في الشرق الأوسط، بل كل ما احتاجته هو إغراق هذا الشرق في الفوضى، التي تمنعه من إعادة تشكيل قوة تشكل تحدياً لها، كما في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
هذا المنطق ليس جديدًا في التاريخ الأميركي، فقد ظهر لأول مرة عام 1823، عندما أعلن الرئيس الأميركي الخامس جيمس مونرو والذي عُرف لاحقاً بـمبدأ مونرو، رداً على مخاوف واشنطن من عودة الاستعمار الأوروبي إلى أميركا اللاتينية بعد حروب الاستقلال، يومها اعتبرت الولايات المتحدة قارتي الأميركيتين مجال نفوذ حصرياً لها، مقابل التزامها بعدم التدخل في الشؤون الأوروبية، كان ذلك تعبيراً مبكراً عن إحساس بالخطر، ومحاولة لتحصين الداخل الأميركي عبر الجغرافيا القريبة.
بعد قرنين تقريباً، تعود الفكرة ذاتها بصيغة معاصرة في وثيقة عقيدة ترامب، التي أعادت ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأميركية، واضعة نصف الكرة الغربي في الصدارة، فالأميركيتان، وفق هذا التصور، ليستا مجرد جوار جغرافي، بل خط الدفاع الأول عن الأمن القومي الأميركي، ومن هنا برز التركيز على قضايا الهجرة غير النظامية، والجريمة العابرة للحدود، والحد من النفوذ الصيني المتنامي في أميركا اللاتينية، باعتباره تهديدًا مباشرًا على تخوم الولايات المتحدة.
في المقابل، يلاحظ المتابع بوضوح أن الشرق الأوسط لم يعد يحتل الموقع المركزي ذاته في هذه الرؤية، والسؤال هنا: هل يعني ذلك؟ أهوى تخلياً أميركياً كاملاً.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية
