تتحول المؤتمرات والمعارض سريعاً إلى أحد أعمدة الاستراتيجية السعودية لتعزيز مكانة المملكة كوجهة سياحية واقتصادية عالمية، في وقت تشهد فيه البلاد نمواً غير مسبوق في قطاع «الاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمعارض» (MICE).
وبحسب مسؤولين وخبراء في القطاع، نقل عنهم موقع AGBI، انتقلت السعودية خلال أقل من عشر سنوات من استضافة فعاليات محدودة ذات طابع ديني إلى واحدة من أكثر أسواق المؤتمرات نشاطاً على مستوى العالم، مستضيفةً أكبر الفعاليات الدولية في قطاعات حيوية مثل العقارات والأمن السيبراني والتقنية. ويترجم هذا الزخم إلى توقعات بنمو مزدوج الرقم في إيرادات منظمي الفعاليات خلال العام المقبل، مدفوعاً بتوسع الأجندة وارتفاع الطلب الدولي.
وتؤكد بيانات «الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات» في السعودية أن الطاقة الاستيعابية للفعاليات ارتفعت بنحو الثلث في عام 2025 مقارنة بالعام السابق، في مؤشر واضح على تسارع الاستثمار في هذا القطاع.
السعودية.. 17.9 مليار دولار حصيلة "مبادرة مستقبل الاستثمار"
حضور أجنبي وأثر اقتصادي ملموس
في هذا السياق، أفادت شركة «تحالف» لتنظيم الفعاليات بأنها استقطبت 100 ألف مشارك فريد خلال العام الماضي، كان معظمهم من خارج المملكة. ومن المتوقع أن تصل المساحة الإجمالية لفعاليات الشركة في 2025 إلى 700 ألف متر مربع، أي ما يعادل مرة ونصف مساحة دولة الفاتيكان، في دلالة على حجم السوق واتساعه.
وقال المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، مايك تشامبيون، إن هذا التحول يعكس تغيراً جذرياً في طبيعة الفعاليات المقامة في المملكة، مضيفاً أن «الحضور الدولي اليوم يختلف كلياً عما كان عليه قبل ثلاث سنوات».
من مواسم دينية إلى منصات اقتصادية
حتى وقت قريب، كان الحضور الدولي في قطاع الفعاليات السعودية مرتبطاً إلى حد كبير بمواسم الحج والعمرة. إلا أن عام 2025 يمثل نقطة تحول، مع استضافة المملكة فعاليات تحظى بثقل عالمي مثل «سيتي سكيب» (Cityscape) أكبر مؤتمر عقاري في العالم، و«مبادرة مستقبل الاستثمار»، و«منتدى مستقبل المعادن»، الذي بات منصة دولية لقطاع التعدين.
ولا تقتصر أهمية هذه الفعاليات على بعدها القطاعي، بل تمتد إلى كونها أدوات ترويجية للاقتصاد السعودي في مرحلة ما بعد النفط، ونافذة مباشرة لتعريف المستثمرين والزوار بالتحولات التي تقودها رؤية 2030.
عروض فعالية «ديزني على الجليد» الترفيهية في الرياض، السعودية، 24 أغسطس 2022.
مساهمة في الاقتصاد الكلي
يرى تشامبيون أن الأثر الاقتصادي للمؤتمرات والمعارض يتجاوز بكثير عائدات التذاكر والرعايات، ليشمل حركة الطيران، والإشغال الفندقي، والإنفاق الاستهلاكي. ويقدّر مساهمة «تحالف» وحدها في الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنحو 17.6 مليار دولار خلال ثلاثة أعوام، مؤكداً أن هذا الأثر «يفوق الأثر الاقتصادي لكأس العالم في قطر».
وحققت الشركة إيرادات تجاوزت 200 مليون دولار خلال العام الماضي، ما يضعها، وفقاً لتقديرات إدارتها، ضمن أكبر 15 شركة لتنظيم الفعاليات عالمياً.
رهان حكومي طويل الأجل
تعكس هيكلية ملكية «تحالف» البعد الاستراتيجي للقطاع، إذ تمتلك شركة «إنفورما» (Informa) البريطانية 51 في المائة من أسهمها، فيما يملك «صندوق الفعاليات الاستثماري» 25 في المائة. وقد أُسس الصندوق في عام 2023 لدعم قطاع الفعاليات، ويرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وبحسب موقع «رؤية 2030»، يهدف الصندوق إلى ترسيخ موقع السعودية كقوة عالمية في قطاعات الثقافة والسياحة والترفيه والرياضة، وهو ما يفسر تركيز الفعاليات على قطاعات ذات أولوية اقتصادية للحكومة.
السعودية.. الإنتاج الصناعي يرتفع 8.9% في أكتوبر بدعم الأنشطة النفطية
التحدي التالي لمسار النمو
تسعى السعودية إلى استقطاب 150 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030، من بينهم 70 مليون زائر من خارج دول مجلس التعاون الخليجي. وفي هذا الإطار، أكد رئيس «الجمعية السعودية للسياحة»، عماد محمود منشي، أن سياحة المؤتمرات والمعارض تمثل أحد المحركات الرئيسة لتحقيق هذا الهدف، في وقت يُتوقع أن تصل قيمة قطاع «الاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمعارض» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2035.
وقال مستشار العقارات والضيافة في «نايت فرانك» (Knight Frank)، أسامة القادري، إن تنظيم فعاليات ضخمة هو «الطريق الأسرع لوضع السعودية على خريطة السياحة العالمية»، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن العوائد لا تزال متركزة في الرياض.
ورغم إقامة فعاليات بارزة خارج العاصمة، مثل «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» في جدة، يرى القادري أن توزيع الفعاليات على نطاق جغرافي أوسع سيعزز استفادة المدن الأخرى، معتبراً أن توسع أجندة الفعاليات خارج الرياض لا يزال دون وتيرة النمو المسجلة في العاصمة.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس
