شكّلت تصريحات الإدارة الأمريكية تجاه السلطة الانتقالية في دمشق ميداناً خصباً للتأويلات السياسية، لكنها في العمق لا تعدو كونها مجرد تعديل تكتيكي في تعاطي واشنطن مع الواقع السوري الجديد، حيث لا انقلاب استراتيجياً في موقفها تجاه النظام الجديد أو مسار التحول السياسي في سوريا. هذا النوع من التصريحات ليس سوى محاولة لإدارة المشهد السوري وفق رؤية مبتورة تلائم مصالح الإدارة الأمريكية الحالية، وبهذا تبدو واشنطن أكثر حرصاً على ضبط الأوضاع وضمان استقرار محدود يسمح لها بالتأثير، بدلاً من إحداث تغييرات جوهرية تُفضي إلى تفكيك النظام أو بناء سلطة جديدة تتمتع بشرعية شعبية حقيقية. هذا النهج يرتكز على حسابات استراتيجية رصينة، دون تحمل تبعات فوضى أو فراغ سياسي قد يضر بمصالحها الإقليمية والدولية.
الاستنتاج السياسي الذي يغفل عنه كثيرون هو أن التصريحات الأمريكية الداعمة للسلطة الانتقالية لا ترسم ملامح دعم واضح لصياغة مستقبل سوري قائم على العدالة والمواطنة، بل هي ضوء أخضر مؤقت لإدارة أزمة قائمة، يضمن استمرار منظومة السلطة الانتقالية في نسختها الحالية، مع فرض شروط أمريكية تحكم الواقع السوري بعناوينه الراهنة. وهذا، في المقابل، يخلق وهماً سياسياً خطيراً لدى من يعتقدون أن تلك التصريحات تحمل بين طياتها ضمانات للتغيير الفعلي. وضمن المدى الزمني، فإن أي تطور نوعي في المشهد السوري يتطلب استيفاء شروط أمريكية متعددة ومركبة، تشمل الشرعية الداخلية وتقبّل الفاعلين المحليين لمسار سياسي واضح. فالديمقراطية والعدالة الانتقالية لن تتحققا كأهداف منفصلة عن هذه الشروط، ولن تكونا سوى نتاجاً طبيعياً لعملية توازن مصالح، لا نتيجة تصريحات سياسية عابرة.
الأمر في جوهره يتعلق بإدراك استراتيجي عميق لطبيعة اللعبة السياسية التي لا تحكمها مجرد مواقف خارجية دارجة، بل سعي دائم من جميع الأطراف للحفاظ على مصالحهم ضمن حدود ضيقة من الاستقرار، سواء بجانبه السياسي أو الأمني. والولايات المتحدة تخشى في هذا السياق من الانزلاق إلى سيناريوهات قد ترفع من درجة اللااستقرار والفوضى بما يهدد مصالحها بشكل مباشر، لذلك تختار مساراً واقعياً محافظاً لا يغيّر قواعد اللعبة بشكل جذري، بل يكبح أي زخم من شأنه أن يهدد مصالحها أو يضعف نفوذها.
بهذا المعنى، فإن الغاية الأمريكية من دعم السلطة السورية الجديدة لا تكمن في تقوية هذه الحكومة بحد ذاتها، بل في استخدامها كأداة لإعادة ترتيب الملفات الإقليمية الكبرى التي تشغل واشنطن منذ سنوات. فالإدارة الأمريكية تدرك أن استقرار سوريا في هذا التوقيت يُعدّ مدخلاً لحلحلة العديد من الملفات العالقة في الشرق الأوسط، من إعادة ترتيب العلاقات مع تركيا وروسيا، إلى إدارة ملفات اللاجئين وضمان أمن الحدود الإقليمية. هذه الرؤية الإستراتيجية تتجاوز مجرد رغبة في تثبيت حكومة جديدة، بل تهدف إلى ترسيخ توازن إقليمي جديد يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية على السواء، ويضمن عدم عودة النفوذ الإيراني، ويحقق توازناً جديداً في الشرق الأوسط.
التحول.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من موقع 24 الإخباري
