لم تعد أزمة المياه في العراق مجرد تحذيرات موسمية أو تقارير بيئية عابرة، بل تحولت إلى واحدة من أخطر التحديات البنيوية التي تهدد حياة السكان واستقرار المدن ومستقبل التنمية في البلاد، فبين تراجع الإيرادات المائية، وتصاعد آثار التغير المناخي، وانهيار البنى التحتية، يقف العراق اليوم أمام واقع مائي قاس، تكشفه الأرقام الصادمة والتصريحات الرسمية والخبيرة على حد سواء.
الخبير المائي تحسين الموسوي يؤكد، في تصريح خاص لـ عراق أوبزيرفر ، أن العراق يخسر نحو 70% من مياه البلدية والمياه الصالحة للشرب، في واحدة من أعلى نسب الهدر المائي في المنطقة؛ هذه الخسارة لا تعود إلى شح الموارد فقط، بل إلى خلل عميق في منظومة إدارة المياه، يبدأ من شبكات قديمة ومتهالكة، ولا ينتهي عند ضعف التخطيط وغياب الكوادر المتخصصة القادرة على مواكبة التحديات المتسارعة.
بحسب الموسوي، فإن شبكات الماء في معظم المدن العراقية لم تصمم لتواكب الزيادة السكانية الكبيرة والتوسع العمراني غير المنظم، ما يجعلها عاجزة عن إيصال المياه بكفاءة، ويحول جزءاً كبيراً منها إلى تسربات وضياعات تحت الأرض أو في الأنابيب المكشوفة.
ويضيف أن نسبة الضياعات في مياه الشرب مرتفعة جداً، ولا توجد حتى الآن حلول جذرية لمعالجتها، رغم كثرة الدراسات والمشاريع التي أُعدت خلال السنوات الماضية .
المشكلة، كما يصفها الموسوي، لا تكمن في غياب الحلول النظرية، بل في أن كثيراً من هذه الدراسات تُركن على الرف ، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي. أما المشاريع التي تنفذ، فهي غالباً ما تعاني من غياب الاستدامة، أو ضعف المتابعة، أو الافتقار إلى رؤية طويلة الأمد، ما يجعل تأثيرها محدوداً ومؤقتاً، في مواجهة أزمة تتفاقم عاماً بعد آخر.
في هذا السياق، يعود ملف تعرفة المياه إلى الواجهة بوصفه واحداً من أكثر الملفات حساسية وجدلاً. إذ يشدد الموسوي على ضرورة أن تكون تعرفة المياه عادلة وصحيحة ، لا تستهدف المواطن البسيط، بل تفرض رسوماً إضافية مدروسة على الشركات والمصانع والمنازل الكبيرة ذات الاستهلاك العالي. غير أن تطبيق هذا التوجه، بحسب رأيه، يتطلب أولاً بنى تحتية متطورة قادرة على قياس الاستهلاك بدقة، وثانياً قوانين فعالة تُطبق بعدالة، بعيداً عن الانتقائية أو الاستثناءات.
ويؤكد الموسوي أن التوعية المجتمعية تمثل ركناً أساسياً في أي حل مستدام، مشيراً إلى أن المواطن العراقي اعتاد لعقود طويلة على وفرة المياه، ما خلق نمطاً استهلاكياً عالياً يصعب تغييره بين ليلة وضحاها.
في موازاة هذه التحذيرات، تستعد الحكومة العراقية لاعتماد مشروع حصة الفرد من المياه ، بعد الانتهاء من المرحلة التجريبية للمشروع في بغداد وثلاث محافظات أخرى. المشروع، الذي يُنظر إليه بوصفه خطوة غير مسبوقة في إدارة الاستهلاك المائي، يهدف إلى احتساب كمية المياه المخصصة لكل فرد، وفق معايير فنية وإحصائية دقيقة، وبما يتناسب مع طبيعة كل محافظة.
مدير عام مديرية الماء في وزارة الإعمار والإسكان، عمار المالكي، أوضح أن اللجنة الرئيسة المشرفة على المشروع استكملت جميع الأعمال التجريبية في بغداد وكركوك وأربيل وذي قار، ضمن توجهات حكومية واضحة لترشيد الاستهلاك وتقليل الهدر في ظل تحوّل الجفاف إلى حالة شبه دائمة في العراق.
وبين أن المشروع يسعى إلى وضع معدلات دقيقة لحصة الفرد من المياه، بما يسهم في الحد من الهدر، ويشجع المواطنين على الاستخدام الأمثل لهذا المورد الحيوي.
وبحسب المالكي، فإن اللجنة أعدت مجموعة من التوصيات استناداً إلى تحليل البيانات والمعطيات الميدانية، شملت تحديد الاحتياج الفعلي للفرد، وربط ذلك بأنماط الاستهلاك السائدة، والإجراءات التنفيذية المطلوبة لضمان التطبيق العادل والفعّال. ومن المقرر أن تُرفع هذه التوصيات إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء والجهات القطاعية المعنية، للمصادقة عليها واعتماد المشروع تدريجياً في عموم البلاد.
ورغم الطابع الفني للمشروع، إلا أن تطبيق حصة الفرد يفتح باباً واسعاً للنقاش المجتمعي والسياسي، خصوصاً في ظل مخاوف من أن يتحول إلى عبء إضافي على المواطنين، إذا لم يرافق بتحسين حقيقي في خدمات إيصال المياه، ومعالجة التسربات، وضمان العدالة في التوزيع بين المناطق
The post عراق اوبزيرفر تخوض في الملف الأهم.. 70% من مياه الشرب تضيع في الشبكات المتهالكة ومشروع حصة الفرد يدخل خط المواجهة first appeared on Observer Iraq.
هذا المحتوى مقدم من عراق أوبزيرڤر
