كيف تُعيد تركيا رسم خريطتها الرقمية؟

تعيش تركيا مرحلة مفصلية في تطوير بنيتها الرقمية، مع دخول مشاريع كبرى تشمل إنشاء أول منطقة Google Cloud في البلاد، والاستثمار في أطياف الجيل الخامس، وتوسيع قدرات مراكز البيانات بما يتماشى مع الطلب المتسارع على الخدمات السحابية والاتصالات الحديثة. وفي وقتٍ تتسابق فيه الأسواق العالمية لبناء بنى تحتية قادرة على دعم الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الصناعية المتقدمة، تبدو تركيا في لحظة تسارع استثنائية تقودها شركات محلية كبرى، وفي مقدمتها «توركسل».

في هذا السياق، يشرح الدكتور علي طه كوتش، الرئيس التنفيذي لشركة «توركسل»، كيف تُبنى هذه المنظومة الجديدة، وما يعنيه ذلك للاقتصاد التركي ولمستقبل الاتصالات في المنطقة، وكيف تتوازن الشركة بين استثمارات ضخمة في البنية التحتية وتحقيق عوائد مستدامة للمساهمين.

تحالف استراتيجي مع Google Cloud يرى كوتش أن الشراكة متعددة السنوات مع Google Cloud ليست مجرد تعاون تقني، بل حجر أساس لمرحلة جديدة في قدرة تركيا على تقديم خدمات سحابية تنافسية على المستوى العالمي. فبناء أول منطقة Google Cloud في البلاد يمثل، على حد وصفه، «استثماراً ضخماً في مستقبل تركيا الرقمي»، ووسيلة لفتح أبواب جديدة أمام الشركات والصناعات للتحول إلى بيئات تعتمد بعمق على الذكاء الاصطناعي.

ويوضح أن البرنامج المشترك مع Google Cloud يمتد سنوات طويلة ويستند إلى خطة تشغيلية متعددة المراحل، تشمل تشغيل ثلاث مناطق توافر أو أكثر، على أن تدخل المنطقة السحابية الخدمة بين عامي 2028 و2029. ويرى أن هذه المنطقة لن تغيّر فقط قدرة المؤسسات التركية على الابتكار، بل ستُسرّع من تنافسية الشركات إقليمياً وعالمياً.

ويشير إلى أن «توركسل» تستعد لمضاعفة قدرتها في مراكز البيانات بحلول عام 2032، إلى جانب استهداف زيادة إيرادات خدمات البيانات والسحابة بنحو ستة أضعاف بالدولار خلال الفترة نفسها، ما يعكس حجم الرهان الذي تضعه الشركة على هذا القطاع.

استثمار قياسي في الجيل الخامس.. وتحول في تجربة الاتصال يشكل فوز «توركسل» بالحصة الأكبر من أطياف الجيل الخامس في مناقصة أكتوبر 2025 حدثاً مفصلياً في مسار الشركة. فقد استحوذت على 160 ميغاهرتز، وهي الحصة الأكبر في السوق وبأقل تكلفة للوحدة مقارنة بالمنافسين. وبذلك أصبحت «توركسل» الشركة الوحيدة التي حصلت على جميع الحزم الخمس المعروضة في المناقصة، لترفع حصتها إلى 42% من إجمالي أطياف IMT في تركيا.

ويرى كوتش أن هذه الخطوة تعكس التزام الشركة بتوفير «أفضل شبكة اتصالات في البلاد» وقيادة المرحلة التالية من التحول الرقمي. ويشير إلى أن سوق الاتصالات يدخل الآن فترة جديدة ستتغير فيها طبيعة تقديم الخدمات. فمع 5G، تنتقل الشركات من نموذج «باقات موحدة للجميع» إلى نموذج قائم على التخصيص الكامل، حيث يعني 39 مليون مشترك لدى «توركسل» وجود «39 مليون احتمال مختلف للتعرفة».

ويعتبر أن نجاح الجيل الخامس لا يعتمد فقط على الشبكة، بل أيضاً على انتشار الأجهزة الداعمة. ولهذا أطلقت الشركة برامج تمويل وتعاونات مع شركات تصنيع الهواتف، كان أبرزها مع «سامسونغ» لتوفير 100 ألف جهاز 5G، مع خطط للتوسع في مبادرات مشابهة. ويشير إلى أن نسبة التوافق مع شبكة 4.5G كانت نحو 35% عند إطلاقها، بينما يتوقع تجاوز هذا المستوى في 5G بحلول أبريل 2026، مع جهود مستمرة لتحفيز العملاء على الترقية.

نحو اقتصاد صناعي متصل.. الجيل الخامس كمنصة للقطاعات الإنتاجية لا يرى كوتش الجيل الخامس مجرد تحسين لسرعات التنزيل، بل بوابة لتحول صناعي. فبينما صُمم الجيل الرابع لخدمة المستخدمين الأفراد، يأتي الجيل الخامس لربط الآلات والعمليات الصناعية والمدن الذكية. ويشير إلى أن السنوات الخمس المقبلة ستشهد تطوراً لافتاً في تقنيات القيادة الذاتية، السيارات المتصلة، والمصانع المؤتمتة، إضافة إلى تطبيقات تعتمد على شبكات هجينة وخاصة من 5G.

ويؤكد أن هذا التطور سينعكس على قطاعات تمتد من الخدمات الحكومية واللوجستيات إلى الطاقة والصناعة، الأمر الذي سيولّد طلباً ضخماً على البيانات والسرعة والموثوقية. ويرى أن هذه المرحلة «لن تقدم قيمة كبيرة لتوركسل فحسب، بل ستعزز أيضاً تنافسية الاقتصاد التركي وتسريع تحوله الرقمي».

نتائج مالية قوية.. في ظل بيئة اقتصادية صعبة على الرغم من التضخم وضغوط أسعار الصرف وتنافسية السوق، سجّلت الشركة نمواً مزدوج الرقم في الإيرادات والأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك. ويوضح كوتش أن الشركة تجاوزت خططها التشغيلية والمالية لعام 2025، حيث حققت نمواً في عدد مشتركيها في خدمات الهاتف المحمول والإنترنت الثابت، وحققت نمواً حقيقياً في متوسط الإيراد لكل مستخدم طوال العام.

ويشير إلى أن إيرادات الشركة ارتفعت 12% في الأشهر التسعة الأولى من 2025، بينما نما نشاط Techfin بنسبة 25%، وسجلت خدمات مراكز البيانات والسحابة قفزة بلغت 51%. وارتفع هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك إلى 43.7%.

وبناءً على هذه النتائج، رفعت الشركة توقعاتها للسنة كاملة، مع استهداف نمو بنحو 10%، ونمو 43% في خدمات البيانات والسحابة، وهامش ربح بين 42% و43%. وعلى الرغم من حجم الاستثمارات، تم تعديل توجيه نسبة CAPEX إلى المبيعات إلى 23% بفضل الأداء القوي للإيرادات.

ويؤكد كوتش أن الشركة تعاملت «بحذر» مع تحديث التوقعات، آخِذةً في الاعتبار محدودية تعديلات الأسعار مقارنة بالعام السابق، وارتفاع الإنفاق التسويقي في الربع الأخير بالتزامن مع إطلاق 5G، بالإضافة إلى ارتفاع الإنفاق الرأسمالي.

نموذج إيرادات جديد.. وتحوّل في مزيج الأعمال حتى 2027 يرى كوتش أن السنوات المقبلة ستشهد تحولاً تدريجياً في مزيج إيرادات «توركسل»، بحيث تحتفظ خدمات الهاتف المحمول والثابت بدورها المحوري، فيما تنمو الخدمات الرقمية وخدمات المؤسسات لتصبح أحد محركات الإيرادات الأساسية بحلول 2027 وما بعدها.

ويشير إلى أن نمو مراكز البيانات والحوسبة السحابية سيغيّر شكل أعمال الشركة على المدى الطويل، خصوصاً مع مضاعفة القدرة التشغيلية واستهداف وصول مساهمة هذه الخدمات إلى نحو 8% من إيرادات المجموعة بحلول 2032. ويرى أن هذا التحول لن يكون على حساب الربحية، لأن نموذج أعمال الخدمات السحابية «قابل للتوسع ويصبح أكثر كفاءة كلما ارتفعت نسب الاستخدام»، ما يعزز هوامش الربح بدلاً من الضغط عليها.

الاستثمار والعائد على السواء.. دون مفاضلة يؤكد كوتش أن «توركسل» لا تنظر إلى تخصيص رأس المال باعتباره معادلة بين الاستثمار والعوائد، بل كمسار واحد متكامل. ويشير إلى أن عامي 2025 و2026 سيحملان استثمارات ضخمة، بما يقارب 3 مليارات دولار في البنية السحابية والرقمية بالتعاون مع Google Cloud، بالإضافة إلى مليار دولار تخصصها الشركة لتوسعة مراكز بياناتها.

وإلى جانب ذلك، يستمر الاستثمار في الأطياف والشبكات الثابتة والمتحركة، بهدف ضمان أعلى مستويات الجودة. ومع ذلك، تظل السياسة التوزيعية للشركة واضحة، إذ تحافظ على نسبة توزيع أرباح تبلغ 50%، مع إمكانية دعم العوائد بعمليات إعادة شراء الأسهم عند الحاجة. ويرى كوتش أن «النمو والعائد ليسا مسارين متعارضين»، بل يمكن أن يتقدما معاً ضمن إطار مالي منضبط.

ويؤكد أن الاستدامة جزء جوهري من هذه الرؤية، سواء عبر استثمارات الشركة في الطاقة الشمسية بقدرة 300 ميغاواط، أو عبر تركيزها على مراكز بيانات أقل استهلاكاً للطاقة وأكثر كفاءة. ويعتبر أن خفض الانبعاثات وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة يعززان مرونة الأعمال ويخفضان التكلفة، ما ينعكس إيجاباً على تقييم الشركة ومستقبلها الربحي.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 4 دقائق
منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 13 دقيقة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 8 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 4 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 12 ساعة
فوربس الشرق الأوسط منذ ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 27 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 5 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 5 ساعات
منصة CNN الاقتصادية منذ ساعتين