واصلت الجلسةُ العلمية الثالثة المقامة ضمن فعاليات الندوة الدولية الثانية، التي تنظمها دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم -تقديمَ نقاشات موسعة حول أثر الفتوى في ترسيخ القيم الأخلاقية وتحصين الهُوية في زمن العولمة.
وفي هذا الإطار، عرضت الدكتورة آمال عثمان محمد الجمل -مدرس العقيدة والفلسفة المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بكفر الشيخ- بحثًا بعنوان: "تحديات الهوية الإسلامية في البيئة الرقمية: دراسة كلامية فلسفية في دور الخطاب الإفتائي المعاصر".
وتناولت خلال البحث الكيفية التي تشكَّلت بها الهوية الإسلامية عبر تفاعل العلوم الإسلامية وتكاملها، ولا سيما الفقه وعلم الكلام والفلسفة، موضحةً دَور هذه العلوم في بناء العقل الإسلامي وترسيخ ثوابته المعرفية، مع الإشارة إلى النماذج التأسيسية التي جمعت بين عمق النظر الفقهي والوعي الكلامي والفلسفي، مثل الإمامَين أبي حنيفة والشافعي.
كما ناقشت د. آمال التحديات النوعية التي تواجه الهوية الإسلامية في ظل العولمة الرقمية، وما تفرضه من تعدُّد مصادر الخطاب الديني وتباين التأويلات، بما قد يؤدي إلى ممارسات دينية دخيلة تُغيِّر من ملامح الهوية الإسلامية، وركَّزت على دَور الخطاب الإفتائي المعاصر في مواجهة هذه التحديات؛ من خلال الاستفادة من الإرث الكلامي والفلسفي إلى جانب البنية الفقهية.
وأكدت أن العولمة الرقمية أسهمت في تفكُّك المعايير الضابطة للهُوية الإسلامية؛ نتيجة تضارب الخطابات وغياب المرجعية المنضبطة، مشددةً على أن علم الكلام يوفر إطارًا لحماية الثوابت العقدية وضبط التأويل، بينما تمنح الفلسفةُ أدوات عقلية لتنظيم التفكير الديني وفهم مقاصده، بما يدعم بناء خطاب إفتائي رقمي واعٍ يُسهم في صيانة الهوية الإسلامية وتحقيق التوازن في توجيه العقل المسلم.
من جانبه، اعتبر الدكتور أحمد البدوي سالم محمد سالم -أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقليوبية- أن الدراسات المستقبلية تمثِّل أحد الأعمدة الرئيسية لضمان انتقال المجتمعات والدول نحو مسارات تنموية مستدامة؛ مؤكدًا أن مفهوم الاستدامة لم يعد قاصرًا على الجوانب البيئية أو الاقتصادية، بل أصبح منظورًا شاملًا يستند إلى المنهج العلمي في استشراف المستقبل، والتوقع الدقيق للتحديات، وصياغة إستراتيجيات متعددة الأبعاد، تكفُل حماية مصالح الأجيال المقبلة وحسن استثمار الموارد، وفي مقدمتها الحفاظُ على الهوية الدينية بوصفها ركيزةً لتماسك المجتمعات.
وأشار خلال بحثه المعنون بـ" الدراسات المستقبلية وأهميتها في تحقيق الاستدامة ومجابهة المتغيرات الجيو-فلسفية" إلى أن التحولات الجيو-فلسفية المعاصرة، بما تجمعه من تغيرات جيو-سياسية وفكرية وقِيمية، أسهمت في إحداث ثورة على الثوابت الدينية والأخلاقية؛ الأمر الذي يستدعي توظيف الدراسات المستقبلية لسدِّ فجوة معرفية -أبستمولوجيا- في التعامل مع المتغيّرات المتسارعة: الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والتكنولوجية، والإعلامية.
وأكد د. البدوي، أن الفتوى ليست بمعزلٍ عن هذه التحوُّلات، بل يتعين عليها مواكبةُ المتغيرات ورصدها بصورة تكاملية؛ من خلال الانتقال من أنماط التخطيط التقليدي إلى مناهج علمية قادرة على التعامل مع عالم يتَّسم بالتعقيد والغموض وسرعة التغيُّر، مع إبراز مفهوم الاستدامة بوصفه ركيزةً لتحقيق التوازن بين النمو وحماية الموارد، لا سيما الثروة البشرية، بما يحقق مقاصد الشريعة ويراعي حقوق الأجيال القادمة.
وتناول الدكتور عمرو الورداني -أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وعضو اللجنة الاستشارية العُليا لفضيلة المفتي- العلاقة المركَّبة بين الوعي الحضاري والمرجعية الإفتائية، في سياق التحوُّلات الرقمية المتسارعة، من خلال مقاربة تحليلية فلسفية.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من موقع مبتدا
