بغداد / عراق اوبزيرفر
في خطوة تعكس حجم التحديات المالية والاقتصادية التي تواجهها البلاد، ترأس رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني اجتماعا استثنائيا للمجلس الوزاري للاقتصاد، خصص لمناقشة حزمة إجراءات تهدف إلى تقليص الإنفاق الحكومي وتعظيم الإيرادات غير النفطية، في ظل مرحلة انتقالية حساسة تديرها حكومة تصريف الأعمال.
الاجتماع، الذي وصف بأنه من أكثر الاجتماعات الاقتصادية جرأة خلال الفترة الأخيرة، أفضى إلى سلسلة قرارات تمس ملفات شائكة طالما أثارت جدلا واسعا، أبرزها رواتب الرئاسات الثلاث، الإيفادات، الدعم الحكومي، البطاقة التموينية، الإيرادات غير النفطية، ونظام الجباية.
تقليص الإنفاق بداية من القمة
أولى قرارات المجلس تمثلت في فتح ملف مخصصات ورواتب الرئاسات الثلاث، حيث وجه السوداني بإجراء مراجعة عاجلة لهذا الملف، والعمل على مساواة رواتب ومخصصات منتسبي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب مع منتسبي رئاسة الوزراء، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لكسر الخطوط الحمراء المرتبطة بالامتيازات العليا في الدولة.
كما كلفت اللجنة المختصة في وزارة التخطيط بتحديث التقرير الخاص بتوحيد سلم الرواتب لعموم موظفي الدولة، والأخذ بالتوصيات المقدمة سابقا، تمهيدا لتسليم هذا الملف إلى الحكومة المقبلة لاتخاذ القرار النهائي بشأنه.
وفي هذا السياق، أكد الخبير القانوني علي التميمي، في حديث لـ عراق أوبزيرفر ، أن هذه الإجراءات تدخل ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، موضحا أن من أبرز مهامها الحفاظ على الأمن بمختلف أشكاله، بما في ذلك الأمن الاقتصادي.
وقال التميمي إن الحكومة الحالية لا تتجه إلى تحميل الدولة أعباء مالية جديدة أو الدخول في صرف إضافي، بل تسعى إلى تقليص النفقات بطريقة تخدم المصلحة العامة وتحقق قدرًا من التوازن المالي.
ضمن سياسة شد الأحزمة، قرر المجلس الوزاري للاقتصاد تخفيض تخصيصات الإيفاد لموظفي الدولة بنسبة 90%، ومنعها إلا في حالات الضرورة القصوى، وبموافقة الوزير المختص.
ويرى مختصون أن هذا القرار يهدف إلى وقف الهدر المالي الكبير الذي رافق ملف الإيفادات خلال السنوات الماضية، خصوصا في ظل شكاوى متكررة من استخدامها كامتياز إداري أكثر من كونها حاجة وظيفية حقيقية.
وشملت القرارات أيضًا تخفيض نسبة الإشراف والمراقبة للمشاريع الجديدة، إلى جانب وضع وتفعيل برنامج استيرادي وطني يقتصر على السلع الأساسية فقط، في محاولة للحد من الاستيراد العشوائي وحماية السوق المحلية.
كما قرر المجلس رفع توصية إلى مجلس الوزراء بإعادة النظر بدعم محصول الحنطة، على أن يكون الدعم الحكومي بنسبة 170% من سعرها في البورصة العالمية، بما يوازن بين دعم الفلاحين وتقليل العبء على الخزينة العامة.
وفي ملف طال انتظاره، كلف الاجتماع وزير التجارة بإعادة النظر في نظام البطاقة التموينية، وإصلاحه وتوجيهه حصريًا إلى مستحقيه الفعليين من الطبقات الهشة، بعد سنوات من الانتقادات التي طالت آليات التوزيع والعدالة في الاستفادة.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه قد يفتح الباب أمام إصلاح حقيقي للبطاقة التموينية، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات اجتماعية وسياسية، خصوصًا في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة وشاملة.
وفي تعليقه على طبيعة هذه القرارات، شدد الخبير القانوني علي التميمي على أن ملف مساواة الرواتب لا يعد قرارا ملزما في الوقت الحالي، بل هو دراسة مستقبلية ستُرفع إلى الحكومة المقبلة.
وأضاف أن مناقشة ملف الإيفادات وتقليصها لا يشكل عبئا على الدولة، بل يمثل خطوة ضرورية في هذه المرحلة، مؤكدا أن مجمل الإجراءات سيكون لها أثر إيجابي على الاستقرار المالي والاقتصادي خلال المرحلة المقبلة.
ورغم الترحيب النسبي بهذه القرارات من قبل بعض الأوساط الاقتصادية، إلا أن مراقبين يحذرون من أن نجاحها يبقى مرهونا بقدرة الحكومة المقبلة على استكمال المسار الإصلاحي، وتحويل هذه الإجراءات من قرارات مؤقتة إلى سياسات مالية مستدامة، خصوصا في ظل اعتماد العراق شبه الكامل على الإيرادات النفطية.
هذا المحتوى مقدم من عراق أوبزيرڤر
