من دون شهادة جامعية.. وظائف برواتب سنوية تتجاوز 100 ألف دولار

في وقت ترتفع فيه كلفة التعليم الجامعي وتشتد المنافسة على وظائف الياقات البيضاء، يختار عدد متزايد من الأميركيين طريقاً مختلفاً. يتلخص هذا المسار في تخطي الجامعة تماماً، والدخول مباشرة إلى سوق العمل بأجور قد تتجاوز 100 ألف دولار سنوياً.. المفارقة أن هذا التحول لا يأتي نتيجة ضعف التعليم، بل بسبب الإفراط فيه، وفقاً لتقارير صحفية أميركية.

تضخم الشهادات ونقص المهارات بحسب ما نقلته صحيفة ديلي ميل، أدى تزايد أعداد خريجي الجامعات إلى خلل واضح في سوق العمل؛ إذ أصبح العرض من الشهادات أعلى من الطلب، في مقابل نقص حاد في العمالة الماهرة في وظائف لا تتطلب دراسة جامعية لمدة أربع سنوات. دفع هذا الخلل الشركات إلى رفع الأجور لجذب من يمتلكون مهارات عملية وتدريباً تخصصياً، بدلاً من مؤهلات أكاديمية تقليدية.

الطيران والمراقبة الجوية.. رواتب مرتفعة بلا جامعة من أبرز هذه الوظائف مهنة الطيار التجاري، التي تشهد نقصاً واسعاً في الولايات المتحدة، مع تنامي الطلب على رحلات الطيران الخاصة ومهام الإطفاء والإنقاذ. ووفقاً للبيانات، يبلغ متوسط راتب الطيار التجاري نحو 113 ألف دولار سنوياً، بينما قد تصل دخول بعضهم إلى 239 ألف دولار.

ينطبق الأمر ذاته على مراقبي الحركة الجوية، وهي وظيفة عالية الضغط وتتطلب تدريباً متخصصاً، لكنها لا تشترط شهادة جامعية. وبسبب قلة المؤهلين، يبلغ متوسط الأجر نحو 179 ألف دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات سوق العمل الأميركي.

التكنولوجيا.. المهارة قبل الشهادة حتى في قطاع التكنولوجيا، لم تعد الشهادة الجامعية شرطاً أساسياً، ف مطورو الويب والمصممون الرقميون مطلوبون في مختلف القطاعات، ويعتمد دخلهم بشكل أساسي على المهارة وسجل الأعمال. وتشير بيانات مواقع التوظيف، بحسب ديلي ميل، إلى أن متوسط الأجور يقترب من 100 ألف دولار، فيما قد تتجاوز الرواتب العليا 176 ألف دولار سنوياً.

الإبداع والرسوم المتحركة تقدم مجالات الإبداع الرقمي مثالاً آخر، فف نانو المؤثرات البصرية والرسوم المتحركة يمكنهم تحقيق دخول من ستة أرقام من دون شهادة جامعية، رغم أن كثيرين يفضلون الحصول على دبلومات قصيرة متخصصة. ووفقاً لبيانات معاهد التدريب المهني، قد تصل رواتب بعض وظائف التحريك الرقمي إلى نحو 170 ألف دولار سنوياً.

المصاعد والسلالم المتحركة.. أعلى أجر في المهن الحرفية ومن بين أعلى الوظائف أجراً في المهن الحرفية، تأتي مهنة تركيب وصيانة المصاعد والسلالم المتحركة . ووفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي لعام 2023، يتجاوز متوسط الأجر السنوي 100 ألف دولار، ما يجعلها الأعلى دخلاً بين المهن الحرفية.

غير أن هذه الوظيفة تتطلب العمل لساعات طويلة وفي ظروف صعبة، مع عدد محدود نسبياً من الفرص الوظيفية.

يبلغ عدد الوظائف المتاحة في هذا المجال نحو 2,100 فرصة سنوياً، ما يجعل المنافسة عليها مرتفعة نسبياً رغم الرواتب العالية.

يكشف التقرير عن أن بعض أصحاب العمل يركزون على مهارات المرشح العملية واستعداده للانخراط الفوري في العمل أكثر من شهاداته الجامعية.

الديون الجامعية.. الخلفية الصامتة للتحول لم تعد الجامعة في أميركا قراراً تعليمياً فقط، بل قراراً مالياً عالي المخاطر.

لم تعد الديون الطلابية استثناءً، بل تحوّلت إلى عبء هيكلي طويل الأمد، ما يفسر لماذا يبحث الأميركيون عن مسارات دخل مرتفعة خارج التعليم الجامعي التقليدي.

وصل إجمالي الديون الطلابية في الولايات المتحدة إلى نحو 1.8 تريليون دولار، وهو ثاني أكبر نوع من ديون الأسر بعد الرهون العقارية.

يدفع أكثر من 42 مليون أميركي الثمن إذ إن لديهم قروضاً طلابية، ويبلغ متوسط الدين للفرد يقترب من 40 ألف دولار.

ومن الجدير بالذكر أن الدين يرتفع كلما ارتفع المستوى التعليمي، ليصل لدى خريجي الدراسات العليا إلى أكثر من 100 ألف دولار.

والأغرب من كل ذلك هو أن الدين لا ينتهي مع التخرج، إذ إن ربع حاملي القروض تقريباً يواجهون تعثراً أو تأخيراً في السداد، وجزء من هذه جزء من الديون يمتد إلى أعمار فوق 60 عاماً.

ويتم تفسير السبب وراء تآكل جدوى شهادة التخرج، وهو أن نمو الديون الطلابية بات أسرع من نمو الدخول، وفي المقابل، وظائف مهارية محددة تحقق دخلاً مرتفعاً من دون هذا العبء المالي.

وهذه ليست أزمة أفراد بل سوق عمل بأكمله، إذ إن جزءاً كبيراً من الديون فيدرالي، ما يجعل الأزمة قضية عامة وليست خيارات شخصية فقط، كما أن برامج الإعفاء محدودة وملتبسة، ونسبة الموافقة عليها ضعيفة.

هل ما زالت الجامعة ضرورية؟ بينما يبحث كثيرون عن إجابة سريعة لسؤال «هل الجامعة تستحق كل هذا العناء؟»، يقدّم تقرير حديث من بيرستون كووبر رؤية مختلفة قليلاً من خلال توضيح أن السؤال الأهم ليس ما إذا كانت الجامعة مفيدة بشكل عام، بل متى تكون كذلك ولمَن وأيّ التخصصات هي الأكثر جدوى. فبحسب التقرير، العائد المالي المتوسط لشهادة البكالوريوس يبلغ نحو 160 ألف دولار طوال الحياة المهنية، لكن هذا الرقم يخفي تفاوتاً كبيراً بين التخصصات والبرامج.

فمثلاً، درجات في الهندسة وعلوم الحاسوب والاقتصاد تمثل عوائد مالية كبيرة قد تتجاوز نصف مليون دولار، بينما بعض التخصصات مثل الفنون والعلوم الإنسانية غالباً ما تترك الطلاب أقل استفادة مالية.

حتى برامج الدرجات العليا ليست بالضرورة مربحة. نحو نصف برامج الماجستير قد تترك الطالب أسوأ حالاً مالياً بسبب تكاليفها المرتفعة مقابل العائد المحدود، في حين أن الشهادات المهنية في القانون أو الطب غالباً ما تكون استثماراً مربحاً للغاية. ويشير التقرير إلى أن اختيار التخصص والمدرسة قد يكون أهم من مجرد الحصول على الشهادة نفسها، وأن البدائل مثل الشهادات التقنية أو برامج التدريب المهني قد توفر عائداً أعلى من بعض البكالوريوس.

بمعنى آخر، الجامعة قد تظل مفيدة، لكنها لم تعد «التذكرة الذهبية» لأي شخص، وأصبحت المهارة العملية والاختيار الذكي للتخصص والبرنامج أهم من مجرد إتمام سنوات الدراسة الأربع. وهذا يتناغم مع ما يشهده سوق العمل الأميركي حالياً، إذ يحقق الأفراد ذوو المهارات العملية دون شهادة جامعية دخلاً مرتفعاً، أحياناً يفوق نظراءهم الحاصلين على درجات علمية.

تعريف «العمل اللائق» وفق منظمة العمل الدولية وفي هذا السياق، تطرقاً للمفاهيم الاقتصادية التي قد تكون غير مألوفة لغير اقتصاديين العمل، وفقاً لمنظمة العمل الدولية، يُفهم العمل اللائق بأنه العمل الذي يوفر فرصاً منتجة تُؤدي إلى دخل عادل، وأمان في مكان العمل، وحماية اجتماعية للأسر، وآفاق أفضل للتنمية الشخصية والاندماج الاجتماعي، مع حرية التعبير، والمشاركة في قرارات العمل، والمساواة في الفرص والمعاملة بين النساء والرجال.

هذا المفهوم جزء من أجندة العمل اللائق التي تهدف إلى خلق توظيف كامل ومنتج وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

بمعنى آخر، الوظائف التي تدفع 100 ألف دولار سنوياً دون شهادة جامعية قد تُعتبر نوعاً من «العمل اللائق» إذا كانت توفر دخلًا عادلاً، وأماناً وظيفياً، وظروف عمل جيدة، وحماية اجتماعية.

لكن إذا كانت تفتقد تلك العناصر مثل عدم توفر مزايا اجتماعية أو حماية في مكان العمل، فقد لا تُصنَّف كوظائف لائقة بالمعنى الكامل لمنظمة العمل الدولية.

ما يحدث في سوق العمل الأميركي يظهر تحولاً أعمق في مفهوم التعليم والنجاح المهني، فمع تصاعد الديون الطلابية وتغير احتياجات الاقتصاد، باتت المهارة والخبرة العملية في كثير من الأحيان أكثر قيمة من الشهادة الجامعية، وهو اتجاه مرشح للتوسع مع استمرار نقص العمالة الماهرة في قطاعات حيوية.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 5 دقائق
منذ 28 دقيقة
منذ ساعة
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 32 دقيقة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 3 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 23 دقيقة
قناة العربية - الأسواق منذ 23 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ ساعتين
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعتين
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعتين
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 3 ساعات