أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة في اجتماع مجلس الأمن، أن القيادة من أجل السلام لم تكن يوماً أكثر أهمية مما هي عليه اليوم، سواء لمستقبل الأمم المتحدة أو لحفظ السلم والأمن الدوليين.
ودعت دولة الإمارات إلى تعزيز قيادة الأمم المتحدة من خلال انتخاب الأمين العام المقبل للأمم المتحدة على أساس رؤية واضحة تقود مسارات الإصلاح، وتدفع مسار التحديث التكنولوجي، وتعيد الزخم إلى عمل المنظمة، وكذلك إظهار إرادة سياسية حقيقية لتفعيل الأدوات المعتمدة، بما يتيح منع النزاعات ومعالجتها قبل تفاقمها، وتعزيز دور مجلس الأمن في دعم جهود السلام.
وألقى السفير محمد أبوشهاب المندوب الدائم للإمارات لدى الأمم المتحدة، بياناً قال فيه:
أود أن أشكركم على عقد هذا النقاش المفتوح في توقيت بالغ الأهمية، وبما أن هذه هي المرة الأولى خلال هذا الشهر التي أتحدث فيها أمام مجلس الأمن، يسرني أن أهنئ سلوفينيا على توليها رئاسة المجلس.
كما أتقدم بالشكر إلى الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، وإلى أنجالي دايال، على إحاطتيهما القيمتين.
السيد الرئيس؛ بعد مرور ثمانين عاماً على تأسيسها، تقف الأمم المتحدة اليوم عند مفترق طرق؛ ففي عالم تتراكم فيه الأزمات ويتزايد فيه التفكك الجيوسياسي، لم تكن القيادة من أجل السلام يوماً أكثر أهمية مما هي عليه اليوم، سواء لمستقبل الأمم المتحدة أو للسلم والأمن الدوليين.
وفي هذا السياق، أود أن أقدم ثلاث توصيات لتعزيز قيادة الأمم المتحدة من أجل السلام.
أولاً، في عام 2026، ينبغي للدول الأعضاء اختيار أمين عام للأمم المتحدة يمتلك القدرة على توفير قيادة فاعلة للسلام في بيئة أمنية أكثر تعقيداً بكثير من تلك التي كانت متصوَّرة في سنة 1945.
لقد تشكلت القيادة التي وفرها الأمناء العامون التسعة للأمم المتحدة وفق متطلبات عصورهم المختلفة. وما ظل مهماً على الدوام هو حُسن التقدير؛ أي القدرة على التعامل مع نظام شديد اللامركزية، وتمييز متى يكون التحرك أو ضبط النفس أو التكيف هو الخيار المطلوب.
واليوم، يجب أن يترجم هذا الحكم الرشيد إلى إحساس واضح وموثوق بالاتجاه، وإلى القدرة على رعاية الإصلاحات الضرورية داخل الأمم المتحدة، وتوجيهها خلال التحول التكنولوجي، وامتلاك رؤية تعيد إحياء دورها في منع النزاعات وتسويتها.
إن إيجاد مرشح قادر على تلبية هذه المتطلبات المتغيرة يقتضي الاستفادة من كامل طيف القيادات العالمية. وتأمل دولة الإمارات العربية المتحدة أن تشهد عملية الاختيار قاعدة واسعة من المرشحين، على أن تشكل النساء نصفهم، بما يزيد من فرص أن نتمكن أخيراً من الترحيب بأول أمينة عامة للأمم المتحدة.
ثانياً، يجب قياس قدرة الأمم المتحدة على توفير القيادة من أجل السلام بمدى نجاحها في منع النزاعات قبل اندلاعها، وإن اندلعت، في تسويتها بسرعة قبل أن تتفاقم.
إن الأمم المتحدة لا تفتقر إلى الأدوات اللازمة لمنع النزاعات واستعادة السلام، غير أن إخفاقاتها البارزة غالباً ما تعود إلى غياب الإرادة السياسية لاتخاذ إجراءات حاسمة، أو إلى استخدام حق النقض «الفيتو» الذي يمنع مجلس الأمن من اتخاذ مثل هذه الإجراءات.
ويمتلك الأمين العام القدرة على التعامل مع الأزمات من خلال استخدام مساعيه الحميدة، أو نشر المبعوثين الخاصين، أو تفعيل المادة 99. وينبغي لمجلس الأمن وعموم الدول الأعضاء تشجيع الأمين العام على استخدام هذه الأدوات.
وعندما تندلع النزاعات، تظل الأمم المتحدة تتمتع بشرعية فريدة تمكّنها من جمع أطراف الصراع، إلى جانب الفاعلين الإقليميين والدوليين، للبحث عن أرضية مشتركة وإسكات صوت السلاح.
وعندما تكون الكيانات الإقليمية أو التحالفات المؤقتة في وضع جيد لضمان السلام، ينبغي للأمم المتحدة ودولها الأعضاء دعم تلك الجهود.
وهذا يقودني إلى النقطة الأخيرة: إن القيادة الفاعلة من أجل السلام التي يضطلع بها الأمين العام تتعزز من خلال انخراط مستدام وبنّاء من جانب مجلس الأمن.
إن اجتماعات المجلس كثيراً ما تتحول إلى منابر للاستعراضات الانقسامية أو البيانات النمطية، ما يؤدي إلى تآكل تدريجي للثقة في المجلس وفي التعددية ذاتها. ولذلك، ينبغي على المجلس أن ينظر في سبل تفادي ذلك.
كما أن تعزيز دور المجلس في دعم السلام يتطلب إصلاحات، بما في ذلك معالجة إساءة استخدام حق النقض، الذي، كما ذُكر سابقاً، يحول في كثير من الأحيان دون اضطلاع المجلس بولايته.
ويتطلب الأمر أيضاً توسيع عضوية المجلس لتعكس واقع عالم اليوم بشكل أفضل، بما في ذلك تمثيل ملائم لمختلف مناطق الجنوب العالمي.
السيد الرئيس؛ إنها لحظة حاسمة..التجديد أو التدهور..الوقاية أو المواجهة..القيادة أو التخبط.
إن الاتجاه الذي نختاره لن يحدد مستقبل الأمم المتحدة فحسب، بل رفاه الأجيال القادمة ومستقبل الإنسانية جمعاء.
وشكراً لكم.
نسخ الرابط
هذا المحتوى مقدم من صحيفة العربي
