د.محمد صبحي العايدي لم يعد التحول الرقمي في التعليم خياراً مؤجلاً، بل أصبح استجابة حتمية لعصر تتسارع فيه المعرفة، وتتغير فيه أدوات التعليم، وتتقلص فيه المسافات بين المعلومة ومتلقيها، ولكن الأهم من ذلك هو مدى وعينا بما بعده، فالتحول الرقمي في التعليم ليس مجرد انتقال من الورق إلى الشاشة، ولا تحديثاً في الوسائل، هو إعادة صياغة صامتة للعلاقة بين الإنسان والمعرفة، وبين الطالب والعالم حوله، نحن نحتفي اليوم بسرعة الوصول وكثافة المحتوى، وذكاء المنصات، لكننا نؤجل السؤال الأخطر: ماذا يحدث للطالب حين تتراجع العلاقة الإنسانية لصالح الخوارزمية؟ إن التفكير فيما بعد التحول الرقمي ضرورة إنسانية ووطنية، لأنه سيشكل تراجعاً كبيراً في القيم والخبرات التربوية، ما قد يغير في بنية الوعي لدى الطالب، فالتطرف كما ينمو في الفراغ المعرفي، ينمو أيضاً في الفراغ التربوي.
وهناك دعوات متسارعة يطلقها -بعض رجال الأعمال- للانتقال إلى التعليم الرقمي، ولكن-للأسف- لم نسمع بالقدر نفسه الجدية في التفكير فيما بعد هذا الانتقال، صحيح أن التعليم الرقمي نجح في توسيع الوصول إلى المعرفة، وكسر احتكار المكان والزمان، وتقديم فرص غير مسبوقة للتعليم الذاتي، فالمعرفة التي كانت تكتسب عبر مسار طويل من الفهم المتدرج، أصبحت متاحة بضغطة زر، وهنا تمكن المفارقة حيث إن الحصول على المعرفة بهذه السهولة، قد يؤدي أحياناً إلى تراجع القدرة على الفهم العميق، وبناء المعني، والقراءة المتأملة.
ولذا أول ما نخشى فقدانه هو التوازن الإنساني: فالصف ليس مكاناً لتبادل المعلومات فقط، بل فضاء لتشكيل الشخصية، واختبار الاختلاف، واكتساب اللغة المنطوقة التي هي جزء من الهوية، والانفعال المشترك، هذه العناصر لا تنقل عبر الشاشة، لأنها تختزل إلى بيانات، فالطالب الذي يتعلم في بيئة رقمية خالصة، قد يصبح أكثر كفاءة معرفية، لكنه قد يكون أقل خبرة في فهم الآخر، وأضعف تمرساً في التفاعل الاجتماعي، وأشد انعزالاً عن الجماعة.
وثاني ما يخشى خسارته هو الدور التربوي للمعلم: بوصفه قدوة إنسانية لا مجرد ناقل معرفة، حيث يرى الطالب نموذجاً أخلاقياً ومعرفياً، يتعلم منه كيف يفكر، وحين.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية
