تحتفي سلطنة عُمان غدًا مع نظيراتها من الدول الناطقة بـ"العربية" باليوم العالمي للغة العربية لعام 2025، تحت شعار "آفاق مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات ترسم مستقبلًا لغويًّا أكثر شمولًا".
يأتي هذا الاحتفاء، ليسلط الضوء في مضامينه ورؤاه على دور التعليم والإعلام والتقنيات والسياسات العامة في استخدام اللغة العربية بأنماط أكثر توافقًا وتفاعلًا، مع مراعاة الجوانب الاجتماعية والثقافية، كما يجسد العنوان اتساقًا مع رؤية برنامج اليونسكو لإدارة التحولات الاجتماعية من أجل تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة القائمة على الأدلة.
ويتقاطع الاحتفاء مع مرحلة تشهد تحولًا رقميًّا متسارعًا، حيث تتضح ملامح المبادرات في المنطقة العربية التي تعزز حضور اللغة العربية في الفعاليات والبرامج الثقافية والنظم التعليمية والمنصّات الرقميّة، مرورًا بالأطروحات والنقاشات العامة، خاصة في المجتمعات الإنسانية المتعددة اللغات أو ذات الموارد المحدودة. وبحسب اليونسكو، فإن احتفالات هذا العام تُبرز حقيقة الممارسات المستقبلية التي تسعى إلى تعزيز المساواة بين اللغات وتمكين المجتمعات الناطقة بالعربية وضمان الحفاظ على نبضها في تلك المجتمعات مع قابليتها للتكيف كلغة متجذرة في التراث الثقافي.
وفي هذا السياق يتحدث البروفيسور عبد الله بن سيف التوبي، مدير مركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن الكيفية التي يمكن من خلالها إعادة واقع اللغة العربية ومكانتها في المستقبل لضمان استدامتها وتعزيز تنوعها الثقافي، ويقول: تتطلب استدامة اللغة العربية بداية إعادة ربطها بالمعرفة والإبداع والوظائف، ولا يكفي الحديث عنها فقط، بل يجب أن تكون العربية لغة تعليم في الجامعات والمؤسسات، ولغة نشر للإنتاج العلمي في مجلات بحثية علمية محكَّمة، ولغة إعلام متطور ومتجدّد، ولغة تُستعمل في الذكاء الاصطناعي والتقنية والتطبيقات.
وأضاف: كما ينبغي للدول العربية تبني سياسات لغوية واضحة ومُلزِمة تضمن الاستعمال الرسمي والمعرفي للعربية ليس فقط في مجال المؤسسات الحكومية، وإنما في مؤسسات القطاع الخاص، فضلًا عن دعم جهود الترجمة والنشر وتوطين العلوم. ويستدعي تعزيز التنوع الثقافي للعربية إبراز لهجاتها وآدابها المحلية، وعليه لا بد من وضع التصورات والتخطيط لها مع تهيئة الظروف المناسبة وتذليل التحديات لأجل تحقيق المطلوب.
وعن الاستراتيجيات التي ينبغي اعتمادها لدعم الابتكار اللغوي دون الإخلال بالهُوية اللغوية العربية، يقول التوبي: يستلزم دعم الابتكار اللغوي وتطويره بناء استراتيجية تجعل من العربية لغة علمية عالمية منافسة ضمن رؤية تحترم البنية اللغوية والبلاغية للعربية، ولا تفصلها عن جذورها الثقافية. ومن المهم دعم المؤسسات البحثية واللغوية لوضع معاجم وتسجيل براءات اختراع جديدة بأسماء عربية، بحيث يكون الابتكار اللغوي عنصرًا أساسيًّا لإثراء الرصيد المعجمي من خلال الوسائل اللغوية المتاحة والأصيلة، وبناء منصات مصطلحية موحّدة، وتطوير أدوات تعريب ذكي تحافظ على الدقة والهوية، مع الاهتمام بصناعة المحتوى الرقمي التفاعلي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحفيز الإبداع الأدبي ليكون رافدًا للابتكار اللغوي. ويشير إلى إمكانية إشراك الأجيال الشابة في صياغة مستقبل العربية ضمن بيئات تعليمية رقمية ومتعددة اللغات، ليقول: الجيل الشاب هو الفاعل الرئيس في تحديد مصير اللغة، ومن هنا تبرز أهمية إشراك الشباب من خلال تصميم بيئات تعليمية جاذبة تفاعلية ورقمية، تدمج العربية مع اهتماماتهم والوصول إليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واقتراح تطبيقات وبرامج تحفّز هؤلاء .
كما أوضح عبد الله بن محمد الحارثي، مدير عام المعرفة والتنمية الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، بأن هذا اليوم يمثل تخليدًا لما قدمته اللغة العربية للعالم أجمع من علوم وآداب وفنون، كما أنه يعكس اعتراف دول العالم بأهمية اللغة العربية كإحدى لغات العالم الخالدة، فكفى باللغة العربية شرفًا أن تكون لسان القرآن الكريم الذي أُنزل للبشرية جمعاء.
وأضاف الحارثي بأن اللغة العربية كانت حتى وقت قريب لغة العلوم على مستوى العالم، أسهمت في نقل المعارف ونشرها إلى مختلف أصقاع العالم، وكانت لغة الحوار والتفاهم بين مختلف الثقافات والأمم، فلغة الضاد تمتاز بالتنوع والثراء في أشكالها ومضامينها من شعر ونثر وكتابة وتحدث، وهو ما جعلها قادرة على استيعاب مختلف العلوم وأصناف المعارف، فبرز الخط العربي كأحد أصناف الفنون نظرًا لكونه يمتاز بتنوع أنماطه وأشكاله، فكان فنًا أبدع فيه الرسامون والخطاطون، وحوى الموروث الشفهي العربي العديد من المفاخر والأخبار التي وثقت تاريخ البشرية قبل اختراع الكتابة.
كما بيّن أن العُمانيين منذ القدم اهتموا باللغة العربية فأبدعوا في مختلف مشاربها، وكان لهم السبق في علوم اللغة والأدب، كما تمثل المخطوطات العُمانية ثراءً في علوم الفلك والتاريخ واللغة والطب ونحوها، وقد حظيت هذه المخطوطات بالاهتمام والرعاية من حيث الحفظ والترميم والطباعة.
وعن جهود وزارة الثقافة والرياضة والشباب، أوضح الحارثي أن الوزارة ومن خلال الاستراتيجية الثقافية وضعت العديد من المشاريع الثقافية والفكرية التي تصب في هذا المجال، فاليوم يوافق الاحتفاء باللغة العربية وفعاليات مهرجان الشعر العُماني، هذا المهرجان الذي مثل منذ انطلاقته الأولى منصة لإبداع الشعراء وطرح المواضيع الثقافية والفكرية ضمن الفعاليات الحوارية المصاحبة لأعمال المهرجان، كما عنت الوزارة بهذا الجانب من خلال المسابقات والجوائز الثقافية كجائزة صحار للدراسات البحثية والنقدية التي تتناول مجالات النقد في مختلف الموضوعات اللغوية من رواية وشعر، وجائزة "تحدث كي أراك" التي تهدف إلى تبني وصقل مهارات الناشئة من أبناء هذا الوطن في الخطابة والإلقاء، بالإضافة إلى المشاريع البحثية في مجالات التاريخ المروي والموروث الثقافي اللغوي العُماني، كما صدرت العديد من المطبوعات البحثية التي تتناول اللغات واللهجات في سلطنة عُمان، وتعمل الوزارة بالتنسيق مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على تبني الفعاليات ودعم المشاريع التي تدعم حضور اللغة العربية، ويشهد هذا الملف حضورًا دائمًا في أروقة منظمة الألكسو وفي الاجتماعات الدورية، دل.
وعن شعار الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية لهذا العام "آفاق مبتكرة للغة العربية"، أشار الحارثي بأن اليونسكو تحدد مسارات للاحتفاء بهذا اليوم في كل عام، بهدف تسليط الضوء على مواضيع محددة ذات مضامين متنوعة، ويحمل شعار العام الحالي العديد من الدلالات حول أهمية تعزيز حضور اللغة العربية لتكون لغة قادرة على استيعاب مختلف العلوم في ظل عالم يشهد تغييرات رقمية وتقنية متسارعة، تجعل من العلوم في متناول الجميع، كما أنه يمثل دعوة للاهتمام باللغة العربية وحضورها في المنصات والموسوعات الإلكترونية، فاللغة أكثر من مجرد كلمات يلفظ بها اللسان، بل هي هوية ثقافية وفكرية، متى ما كانت لغة الحديث والكتابة، كان الإبداع ووضوح الرسالة.
أما الدّكتورة هدى بنت مبارك الدايرية، رئيسة قسم الشؤون الثقافية في اللجنة الوطنيّة العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، فتقول في شأن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية: إن الثراء اللغوي لمفردات اللغة العربية في مجالات العلوم المتنوعة والآداب والفنون وغيرها نجده ونلتمسه في عدد من الحضارات السابقة، بما يدل دلالات مؤكدة على مكانة اللغة العربية وتأثيرها العالمي. فاللغة ليست وسيلة تواصل فقط، بل هي الأداة التي يتعلم ويفكر بها.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشبيبة
