أطفال كثيرون مروا على مسابقة الأفلام الطويلة في الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي لهذا العام، التي عقدت من (4 إلى 13 ديسمبر الجاري، أطفال حقيقيون ومجازيون ومتخيلون، أبناء للحاضر المرعب، أو ميراث أزمنة سابقة أحضرتهم الشاشة تبجيلاً لحكاياتهم التي سوف تبقيهم أطفالاً إلى الأبد.
7 أطفال من 6 مناطق مختلفة، زمانية ومكانية، من السعودية وفلسطين ولبنان والصين وماليزيا وكوريا الجنوبية، يعيشون بين أربعينيات القرن الماضي وحاضر الألفية المرتبكة، يتأملون العالم المجنون بنظرات مشفقة على الكبار، ويخافون من البلوغ؛ لأنهم أدركوا مبكراً عمق الألم الذي ينتظر أرواحهم الصغيرة.
اقرأ أيضاً
اقرأ أيضاً
"البحر الأحمر" يعلن جوائز دورته الخامسة.. وThe Lost Land يحصد اليسر الذهبيّة
أعلن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، في ختام دورته الخامسة، قائمة الفائزين بجوائز "اليُسر" التي تُعدّ من أبرز جوائز السينما في المنطقة.
الطفل الكبير
نبدأ مع أكبرهم، منير نور الدين بطل فيلم "يونان" الحائز على جائزتي أفضل إخراج لأمير فخر الدين، وأفضل ممثل للرائع جورج خباز، منير هو روائي لبناني مهاجر إلى ألمانيا، يعيش حالة عزلة وجودية مقبضة، ثمة ما يكتم على أنفاسه، يمنع صدره من التعرف الطبيعي على الهواء المتاح، لا مرض بالرئة ولكن غصة في الروح، تحول دون أن يمارس الحب والكتابة والحياة نفسها، فيقرر التمرد في لحظة غضب، تماماً مثلما فعل النبي التراثي يونس (يونان في العهد القديم) ويخرج إلى البحر.
في فيلم شعري يحمل اسماً مأخوذ من الكتاب المقدس لا يصح أن نغفل المجازات، و"يونان" شعري بامتياز، وبالتالي يسهل أن ندرك أن منير ليس شخصية درامية تقليدية، منير في جانب منه، وربما الجانب الأساسي والأهم؛ طفل كبير.
طفل يعيش في عالم الكبار المخيف، العالم الذي بدأ مع حكاية أمه البعيدة، المصابة بخفوت الذاكرة، لكنها لا تنسى الحكاية التي أطلقته إلى العالم الواسع ذات يوم، حكاية الراعي الذي لا عين ولا لسان ولا أذن له، ولا تعرف زوجته اسمه لأنه لا يتحدث، ولا يملك سوى أن يحمل لها كومات الصوف كي تغزل منها حكايتهم الغريبة.
يسأل منير أمه عن الحكاية في مكالمة طويلة بينهم، هي لا تذكره لكنها تذكرها، وتتحول الحكاية إلى جزء من هواجس منير، وأشباح عزلته التي تطارد باله المضطرب إثر الجمود وفقدان الرغبة في حياة لا تشبه ما تمناه وهو طفل.
وكلما استعاد منير الحكاية سواء بصوت الأم أو في مخيلته، كلما حضر الطفل الذي لا يزال يعيش في داخله، بل إن هيئته تتغير حين يصبح جزءاً من الحكاية، نراه وهو يجلس بين الراعي وزوجته وقد قصر شعره عن شكله خارج الخيال، كأنه طفل أتت به أمه قبل قليل من صالون الحلاقة.
ثم نراه أخيراً في محاولته أن يتصالح مع هذا الطفل وهو يهرب بخياله إلى بيت الراعي، حيث يجد أمه نفسها فتمد يدها إليه، ليضطجع في حجرها المخملي بجسده الرجولي وروحه الصغيرة الهشة، يستمع إلى نصائحها وهي تداعب شعره في فعل أمومي خالد، وتلين نظرة عينه متخلياً عن الرجل الذي أصبح عليه ولم يحبه - سبق أن حاول الانتحار في الجزيرة المعزولة التي لجأ إليها - أو مستريحاً من عناء النضج الوهمي، والعمر الطويل.
اقرأ أيضاً
اقرأ أيضاً
"يونان".. تُنسى كأن لم تكن
"يونان" فيلم ليس سهل التلقي، إيقاعه الهادئ حاد في بطئه، ولقطاته الطويلة ذات التكوينات الجمالية الممتدة في الزمن لحين التشبع بها.
ومن سؤال الطفل الكبير عن إمكانية استعادة العمر والأحلام والشغف الأول، إلى سؤال المراهقة التي غادرت طفولتها القريبة جداً، حاملة ندوباً مشتعلة على جسدها الجديد وروحها الغضة، في "يونان" كان سؤال منير هو (ماذا حدث للطفل الذي كنته؟) وفي الفيلم الكوري الجنوبي "عالم الحب" الحائز على جائزة اليسر لأفضل ممثلة سيو سو-بين جاء سؤال المراهقة المضطربة: لماذا حدث ما حدث للطفلة التي كنتها؟
بطلة الفيلم جو- إن هي مراهقة شابة مشحونة بهرمونات المرحلة العمرية الفائرة، نبدأ معها وهي تقبل زميلاً لها بحب جارف للتجربة العاطفية والجسدية، تقبله كأنها تتذوقه أو تكتشفه، هي شغوفة بالمشاعر والتفاصيل الحسية، يسكنها مرح غامر، ويصعب السيطرة على طاقتها البراقة في البيت والمدرسة والشارع، لكن كل هذا ليس سوى قناع ركيك، تداري خلفه السؤال الذي ينفجر مع أمها في السيارة ذات مرة، بينما يجلسان في المغسلة الآلية، في مشهد مفعم بالمجاز وعنف المكاشفة، فبينما تمر الفرشاة الضخمة على بدن العربة من الخارج مسببة عاصفة من المطر والصابون، تنفجر جي- إن بالسؤال في وجه أمها: لماذا حدث معي ما حدث؟ لماذا تركتموني للعم الذي انتهك براءتي وحطم علاقتي بالرجال؛ أفسد عليّ طفولتي وأفشل حبي للعالم والحياة؟
تصرخ جي- إن بينما تشكل لها المخرجة المجاز الكافي لكي تؤدي سيو سو- بين أفضل مشاهدها في الفيلم، عملية الغسيل التي تجلي الحقيقة وتكشف الأوساخ المتراكمة عن البدن الصغير؛ هنا تتحول سيارة الأم إلى استعارة عن جسد الطفلة الذي اتسخ بتحرشات العم الملعون.
صحيح أن السيناريو يلعب في البداية بمهارة ليوهمنا أن الأب المسافر، الذي يعيش في عزلة غبية، هو المتورط الأساسي في الأزمة، لكننا ندرك بعد ذلك أن تورطه ليس كما تصورنا، فهو ليس الجاني، لكنه المتجاهل أو المُنكر لما تعرضت له طفلته.
هذا فيلم مكدس بالأطفال، لأنه معني بأسئلتهم الشفافة عن العلاقة بين أجسادهم وعالم الكبار المرعب؛ الأم نفسها تعمل في مدرسة، وفي مقابل تساؤلها عن العلامات التي تراها يومياً على جسد واحدة من الطفلات التي تعتني بهن، تتعجب ابنتها من أنها لم تكن تتساءل بهذه الحمية عن العلامات التي كانت تراها على جسد ابنتها الصغيرة؛ قبل أن تكبر وتصير مراهقة ملعونة بعلاقات تبحث عن التصالح مع العاطفة والجسد.
الملصق الدعائي للفيلم الكوري الجنوبي The World of Love (عالم الحب) الحائز على جائزة اليسر لأفضل ممثلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي - redseafilmfest.com
صغيرة كنت وأنت صغيرون
صغيرة كنت وأنت صغيرون
حبنا بدنا بنظرات عيون
قالوا ترى ذولا يحبون!
من الصغر لما يكبرون..
أغنية عراقية
في الساعة 5:05 بتوقيت بيروت، ولد نينو، وفي الساعة 5:06 ولدت ياسمينة في الغرفة المجاورة له بالمستشفى، وفي الساعة 5:07 تعرض المبنى للقصف في ذروة الحرب الأهلية في لبنان.
هكذا تبدأ حكاية الطفلين اللذين قدم عبرها المخرج سيريل عويس ترنيمته في رثاء الوطن "نجوم الأمل والألم"، الحائز على جائزة "اليسر" لأفضل سيناريو.
نينو وياسمينة هما الجيل الذي نجا من مفرمة الحرب الدموية، لكن الظروف السياسية والاقتصادية للبقعة الساحرة المنكوبة أفسدت عليهما الكثير من متع شبابهما المغدور، تجمعهما حركة النجوم يوم ميلادهما، لكنهما لا يلتقيان إلا كطفلين في المدرسة الابتدائية، وكما الأغنية، تبدأ قصة حبهما بنظرات العيون، القصة التي تشكل خلال فصول الفيلم جزيرة النجاة الخيالية، التي يحلمان بأن يصلا إليها كي تدوم طفولتهما الأسطورية.
يحافظ المخرج على سرد غير خطي لحكاية الطفلين، نراهما يكبران فيرث نينو مطعم عائلته ويحقق له مجداً مادياً وشهرة مستحقة، وشخصية جذابة تخلط بين الطعام والمرح في توابل ليست سرية، بينما تعمل ياسمينة في مجال الأعمال الجامدة، تتخشب مشاعرها عند حدود الرسميات، ولا تكاد ترفع عينيها الجميلتين عن هاتفها الذي لا يصمت، لكنها حين تلتقي نينو في صدفة من تدبير النجوم، ينهزم جمودها، وتتحلحل مشاعرها الساكتة، مستعيدة الطفلة التي كانت عليها وقت أن كانت تهمس له بحكاية الجزيرة المسحورة قبل 13 سنة.
تسير حكاية الطفلين التقليدية مع حكاية الشابين النمطية، لكن التركيبة التي تجمعهما تصبح لها نكهتها الدرامية الخاصة، والتي ترفع من شأن القصة كلها، يتخلص الفيلم من المعلومات سريعاً دون التورط في الميلودراما السياسية المبتذلة، لصالح الرباط المقدس بين الطفلين والشابين، والذي يتجاوز كل العقبات تقريباً، بداية من فراقهما وهما صغار، وظل الطفل نينو ينتظرها لشهر كامل عند عربة القطار القديمة وقت أن وعدته بالحضور ولكن منعها أهلها من رحلة الهروب الساذجة؛ مروراً برفضها الهجرة إلى ألمانيا بعدما التقت به ثانية، ثم رفضها أن تنجب منه عقب (ليلة الحب الحلوة) التي أثمرت عن أمل، ابنتهما الرائعة، التي تبدو أكثر نضجاً من كليهما، أو لنقل التي تبدو كطفلة ثالثة انضمت إلى الطفلين الكبيرين؛.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار
