نذير عبيدات: حينما يكون الكرسي أصغر من الموقف.. وعقدة الأردنيين مع الاوكسجين حمزة العكاليك جو 24 :
حيث تتصارع الكراسي مع المبادئ فتصرعها بالضربة القاضية، وحيث يُعتبر المسؤول خالداً في منصبه ما لم تقتلعه جرافة التعديل الوزاري، خرج علينا ذات يومٍ رجلٌ يُدعى نذير عبيدات، ليضرب بقواعد الفيزياء السياسية الأردنية عُرض الحائط. ففي العادة، يلتصق المسؤول بكرسيه مبرراً الفشل بالمؤامرات أو بقلة الموارد أو حتى بتقلبات الطقس. لكن عبيدات، الطبيب الذي جاء وزيراً في زمن الوباء، قرر أن يعلمنا درباً من دروب المبادئ في السياسة الاردنية: أن يحمل حقيبته ويرحل، لا لأنّه ضغط الزر الخطأ بيده، بل لأنّ أخلاق الفرسان تقتضي أن يترجل الفارس حين يكبو الحصان، حتى لو لم يكن هو من وضع الحجر في الطريق.
لعلّ قصة الأردنيين مع الأكسجين باتت تحتاج إلى مراجعة فلسفية، أو ربما إلى رقية شرعية سياسية. فما بين رئة مستشفى السلط التي جفّت عروقها ذات صباح حزين، وبين مدافئ الغاز التي باتت تغتالنا في غرف نومنا، خيطٌ رفيعٌ من الاختناق. في حادثة السلط، توقف الأكسجين فرحل ستة من الأحبة، فقامت الدنيا ولم تقعد، وكان نذير اسماً على مسمى، فأنذر الجميع بأن المسؤولية ليست مجرد حبرٍ على ورق، بل هي جمرةٌ تحرق اليد التي تمسك بالقرار. لم ينتظر الرجل تشكيل لجان التحقيق ولم يختبئ خلف عباءة الموظف الصغير المقصر، بل وقف في ساحة المستشفى، والوجع يعتصر ملامحه، ليعلن استقالته الأدبية والسياسية والأخلاقية، مقدماً درساً بليغاً في أن المناصب زائلة، وأنّ الذكرى هي التي تبقى، وأنّ الاعتذار فعل الأقوياء، لا حيلة الضعفاء.
واليوم، ونحن نودع أربعة عشر مواطناً نعم، ضعف عدد ضحايا السلط وأكثر قضوا اختناقاً بسبب المدافئ ونقص الأكسجين أيضاً، نجد أنفسنا أمام مشهدٍ سريالي مغاير. أين المسؤول الذي يخرج ليقول: أنا أتحمل المسؤولية لأنني سمحت بمدافئ رديئة، أو لأنني لم أراقب الأسواق كما يجب؟ بدلاً من ذلك، تُغرقنا التصريحات الرسمية بسيلٍ من الأرقام: ضبطنا كذا، وخالفنا كذا، وأطلقنا حملة توعية. يا سادة، الإحصائيات لا تصنع رئةً، وحملات التفتيش التي تأتي بعد الكارثة تشبه وضع العربة أمام الحصان الميت؛ فهي حركة بلا بركة. الفرق شاسع بين من يرى في الاستقالة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جو ٢٤
