ساد في الأوساط الاقتصادية وكليات إدارة الأعمال لعقود طويلة مبدأ استقراري يُعرف بـ "جُبن رأس المال"؛ ويُقصد به الميل التلقائي للتدفقات المالية للهروب من مناطق النزاع والضبابية السياسية نحو الملاذات الآمنة. إلا أن قراءة المؤشرات الحالية تكشف عن أن هذه القاعدة الراسخة تشهد اليوم تحولاً بنيوياً عميقاً، يؤذن بصعود ما يمكن تسميته بـ "رأس المال الجيوسياسي"؛ حيث لم تعد الاستثمارات تفر من المخاطر، بل باتت تُوجَّهُ إستراتيجياً لاختراقها مدعومةً بإرادة سياسية صريحة. هذا التغير ليس مجرد تعديل في "شهية المخاطرة" لدى المستثمرين، بل هو نتيجة حتمية لحقيقة أن المنافسة الجيوسياسية قد أوجدت مفهوماً جديداً كلياً للتنمية؛ مفهوم لم تعد فيه مشاريع البنية التحتية "أعمالاً خيرية" أو مسؤولية اجتماعية للدول، بل تحولت إلى "أصول للأمن القومي".
ولفهم عمق هذا التحول في النموذج، يكفي النظر إلى إعادة الهندسة الجذرية لأدوات التمويل الأمريكية. فلعقود خلت، اعتمدت واشنطن على "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" (USAID) كذراع للقوة الناعمة عبر تقديم المنح والمساعدات الإنسانية. ومع أن هذا النموذج كان فعالاً في الإغاثة، إلا أنه وقف عاجزاً أمام "نموذج القروض والبنية التحتية" الذي تتبناه الصين.
لذا، لم تكن الاستجابة الإستراتيجية عبر إصلاح النظام القديم، بل عبر توفير أداة جديدة كلياً تتمثل في "مؤسسة التمويل الإنمائي" (DFC). والفارق الجوهري هنا يكمن في الانتقال من مربع "الدبلوماسية الإنسانية" إلى مربع "الاستثمار الإستراتيجي"؛ إذ تمتلك هذه المؤسسة صلاحيات تشبه صناديق الملكية الخاصة، بما في ذلك القدرة على الاستحواذ على حصص في الشركات وتقديم ضمانات للقروض، ما يتيح لها العمل في أسواق عالية المخاطر كانت تُصنف سابقاً بأنها.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاقتصادية
