لا يعود الجدل الدائر حول ما عُرف بـ«الوصية الواجبة» إلى مقصدها، بقدر ما يعود إلى توصيفها وموقعها التشريعي. فحين يُنظَر إليها بوصفها امتدادًا للإرث، يقع الخلل، وحين تُنزَل في غير موضعها من الثلث، تتولّد الخصومات. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة البناء من الجذور، لا بالهدم، بل بالتصحيح.
الأدق أن تُسمّى هذه الصورة بـالوصية الاستحسانية؛ لأنها لا تُنشئ حقًا إرثيًا، ولا تُعدّل أنصبة مفروضة، وإنما تعمل في نطاق الإحسان المنضبط، داخل المساحة التي أذن الشرع فيها بالتصرف، وهي الثلث.
فالفرائض حدٌّ إلهي قطعي، لا اجتهاد فيه، ولا إلزام خارج نصوصه. أما الثلث، فقد جعله الشارع بابًا للبر، وسدّ الخلل، وتحقيق المصلحة، لكنه في الوقت نفسه قيده بضابطٍ مانع من الإفراط، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين قال له النبي ﷺ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. فليس المقصود مجرد رقم، بل قاعدة توازن، تمنع الاعتداء، وتحفظ الحقوق.
ومن هذا المنطلق جاء اقتراح تحديد الوصية الاستحسانية بحدٍّ أقصى: ثلث الثلث، لا اعتباطًا، بل بناءً على ضابطين شرعيين دقيقين:
أولهما: أن الثلث في الأصل هو نصيب المورّث من ماله بعد وفاته، يتصرف فيه بالوصية كيف شاء في حدود الشرع. فإذا قيل بانتزاع جزء من هذا الثلث إلزامًا، فقد وقع التعدي على حقه في وصيته، وهو ما لا يجوز.
ولذلك، لما كان المقصود من الوصية الاستحسانية هو الإحسان إلى ابن الابن الذي تُوفي أبوه في حياة الجد، فإن العدل يقتضي ألا يكون هذا الإحسان مزاحمًا لوصية الموصي، ولا مستغرقًا لحقه،
فجُعل من ثلث الثلث لا من أصل الثلث، حفظًا لحق الموصي، وصيانة لقصده.
وثانيهما: أن الوصية - بطبيعتها - باب تزاحم؛ فحين يوصي الإنسان بثلث ماله، ثم يُتدخّل بعد وفاته لإعطاء أبناء الابن من هذا الثلث، فإن ذلك يجعلهم في موضع مزاحمة مباشرة مع من أوصى لهم، وربما كانوا أكثر.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة القبس
