ناصر أبوعون
قال الشَّيخُ القاضي عِيَسى بن صالح بن عامر الطَّائِيُّ الأجَلّ: [(وَقَبْلَ وُصُولِ السُّلطانِ كانَ أَهْلُ ظُفارٍ لا يَنامُونَ مِنَ السَّهَرِ خَوْفًا مِنَ اللُّصُوصِ، وَقَدْ صَعِدْتُ رَبْوَةً هُناكَ بِصُحْبَةِ أَبْناءِ عَمِّ السُّلطانِ لِنَرى مَساكِنَ الأَعْرابِ وَبُيُوتَهُم، فَإِذا هِيَ خِيامٌ صِغارٌ قَدْ بَنَوْها مِنَ الحَشِيشِ قائِمَةً عَلى أَعْوادٍ مِنَ الشَّجَرِ، أَشْبَهُ شَيءٍ بِعُشِّ القُنْبُرَةِ؛ قَدْ فَرَشُوها جُلُودَ البَقَرِ، وَلَها بابٌ صَغيرٌ يَتَعَذَّرُ دُخُولُ الخَيْمَةِ مِنْهُ إِلّا حَبْوًا، وَهِيَ لا تَزيدُ في العَرْضِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، وَفي الاِرْتِفاعِ كَذلِكَ)].
(وَقَبْلَ وُصُولِ السُّلطانِ)، أي: قبل بَسْطِ السلطان تيمور نفوذه وسلطته الكاملة على إقليم ظَفَار، وقبل مجيئه لزيارتها. (لا يَنامُونَ مِنَ السَّهَرِ خَوْفًا مِنَ اللُّصُوصِ) في العبارة تبيانٌ لحالة الفوضى وانتفاء أثر القانون والسُلطة التنفيذيّة. ولذا كان الناس يتناوبون ليلًا على حراسة ممتلكاتهم. (السَّهَر) يبقون يقظين ليلًا. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول عامر بن الظَّرِب العَدْوانيّ: [وَ(أَسْهَرُ) لَيْلِي، عَلَى أَنَّنِي/ أُرَاعِي الدُّجَى، مَا أَذُوْقُ الْمَنَامَا(01)] (خَوْفًا) مفعول لأجله، والجمع (أخواف)، والمعنى: خشيةً وفزعًا. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول كليب بن ربيعة التغلبيّ: [يَا لَكِ مِنْ قُبَّرَةٍ بِمَعْمَرِ/ لَا تَرْهَبِي (خَوْفًا) وَتَسْتَكْبِرِي(02)] (اللصوص)، (ألصاص) جموع، والمفرد(لِصّ) وهو السارق والقرصان. حيث كانوا يُغيرون ليلًا على بيوت أهل ظَفار، ويسوقون الأبقار، وينهبون الأموال. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول امريء القيس بن حُجْر الكنديّ: [أَمِنْ ذِكْرِ سَلَمَى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ/ فَتَقْصُرُ عَنْهَا خُطْوَةً وَتَبُوصُ؟ - وَكَمْ دُوْنَهَا مِنْ مَهْمَهٍ وَمَفَازَةٍ/ وَكَمْ أَرْضُ جَدْبٍ دُوْنَهَا وَ(لُصُوْصُ)(03)] (وَقَدْ صَعِدْتُ رَبْوَةً) (صَعِدْتُ) ارتقيتُ وتستعمل حقيقةً مع الأماكن المرتفعة، وتستعمل مَجازًا في معانٍ أخرى. ونقرأ شاهدها اللغويّ، في قول منسوب إلى قصير بن سعد اللّخميّ: [لَوْ (صَعِدْتِ) الْمَدِيْنَةَ، فَنَظَرْتِ إِلَى مَا جِئْتُ بِهِ(04)].(رَبْوَة) ما ارتفع من الأرض. وجمعها: (رُبَا - رُبِيّ)، ونقرأ شاهدها في قول الحارث بن عُباد البكريّ. [يَا وَيْلَ أُمِّكُمُ، مِنْ جَمْعِ سَادَتِنَا/ كَتَائبًا، كَـ(الرُّبَا)، والْقَطْرُ يَنْسَكِبُ(05)] (مَساكِنَ الأَعْرابِ وَبُيُوتَهُم) (الأَعْرابِ): القبائل التي تسكن جبل سمحان (شرقًا)، وجبل القمر (غربًا)، وما بينهما (جبل القرا)، وهم: قبائل القرا أو الحكلي، وقبائل الكثيري، وقبائل المهري، وقبائل الشحري، وقبائل المشيخيّ، والبَرْعَميّ، والجَحْفليّ، والعامري والهِلاليّ. (مَساكِن) جمعٌ مفرده (مَسْكَن/ مسكِن) بفتح الكاف وكسرها. ومعناه: محل السكن في منزلٍ ونحوه. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول طَرَفة بن العبد البكريّ، يدعو بهطول المطر الغزير على دار خولة القديمة: [فَلَا زَالَ غَيْثٌ مِنْ رَبِيْعٍ وَصَيْفٍ/ عَلَى دَارِهَا حَيْثُ اِسْتَقَرَّتْ لَهُ زَجَلْ- مَرَتْهُ الْجَنُوبُ ثُمَّ هَبَّتْ لَهُ الصَّبَا/ إِذَا مَسَّ مِنْهَا (مَسْكَنًا) عُدمُلًا نَزَل(06)] (بُيُوتَهُم- بِيُوت. بضم الباء وكسرها/أَبْيات - أَبَايِيْت) جموعٌ، والمفرد: (بيت). قال أبو البقاء في كتاب الكليات: "البيت اسمٌ لمسقف واحد له دهليز"، ويساوي الغرفة؛ لقول المناوي في التعاريف:"البيت موضع المبيت من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد". ونقرأ شاهده اللغوي في قول هُناءة بن مالك بن فهم الأزديّ، يرثي أباه: [لَوْ كَانَ يُفْدَى بِـ(بَيْتِ) الْعِزِّ ذُو كَرَمٍ/ فِدَاكَ مَنْ حَلَّ سَهْلَ الْأَرْضِ وَالْجَلَدَا(07)]
(فَإِذا هِيَ خِيامٌ صِغارٌ) (إِذا) حرف يفيد المفاجأة يدلّ على الحال، ونقرأ شاهد اللغويّ في قول هُناءة بن مالك بن فهم الأزديّ: [(إِذَا) جَذِيْمَةُ لَا تَبْعُد وَقَدْ غَلَبَتْ/ بِهِ الْمَنَايَا وَقَدْ أَوْدَى وَقَدْ بَعُدَا(08)] (خِيامٌ) هذا الجمع لا أصل له في العربية، وإنما هو خطأ شائع، والصواب (خِيَم) بكسر الخاء وفتح الياء، و(خَيْم) بفتح الخاء وسكون الياء. والمفرد منه: خَيْمَة. ومعناه: البيت المُتَّخَذ من أوتاد تُنْصَب وتُسْقَف بالشجر ونحوه؛ للإقامة فيها. ونقرأ شاهده.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الرؤية العمانية
