الفريق الركن الدكتور نبيل ياسين الزيدي
مقدمة
شكّلت العولمة خلال العقود الثلاثة الماضية أبرز التحوّلات البنيوية في النظام الدولي. فهي ليست مجرّد انفتاح اقتصادي أو ثورة رقمية، بل هي عملية تاريخية عميقة أعادت تشكيل علاقة الدولة بالمجتمع، وحدّدت من جديد موقع الثقافة بوصفها أداة للتنافس والنفوذ.
وبالنسبة للعالم العربي، لم تكن العولمة مساراً طبيعياً من التطور، بل جاءت كقوة تفكيك كشفت ضعف البنية الثقافية والسياسية، ووضعت المجتمعات أمام أسئلة تاريخية مؤجَّلة.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الانكشاف الذي أحدثته العولمة في البنية الثقافية العربية، وربطه بالسياق السياسي والاجتماعي، عبر تحليل ثلاث مستويات
أ. المستوى السياسي،
ب. المستوى الاجتماعي،
ج. المستوى الثقافي المعرفي
وتختتم الدراسة بخلاصات استراتيجية لإعادة بناء البنية الثقافية العربية في عصر العولمة
الانكشاف السياسي للعالم العربي في عصر العولمة
أ. تآكل الدولة الريعية وتراجع شرعية السلطة
إن التحول الاقتصادي العالمي قلّل من قدرة الدولة العربية على التحكم بمواردها الريعية، سواء عبر انخفاض أسعار النفط (في الدول المنتجة) أو بسبب التحول نحو اقتصاد المعرفة الذي تجاوز الدولة التقليدية. ومع هذا التحول، تراجعت ثلاثة عناصر أساسية للشرعية السياسية:
اولا. شرعية الإنجاز: إذ لم تعد الدولة قادرة على توفير فرص العمل كما كانت تفعل في العقود السابقة.
ثانيا. شرعية التحكم: تراجع احتكار الدولة للمعلومة والسوق والاتصال.
ثالثا. شرعية الحماية: ظهور الفاعلين من خارج الدولة (إعلام، منظمات عابرة، قوى طائفية) وهذا أضعف هيبة السلطة.
هذا التراجع في الشرعية كشف هشاشة البنية الثقافية التي كانت تعتمد على الدولة نفسها كمنتج للمعنى وصانع للهوية.
(يشير يان أرت شولت وهو من أبرز الأكاديميين المعاصرين في مجال الدراسات العالمية, فهم كيف «تُدار العالم» في زمن العولمة. إلى أن العولمة قلّصت قدرة الدولة القومية على إدارة الاقتصاد والمجتمع، وهو ما يخلق توترات سياسية في الدول ذات المؤسسات الضعيفة.)
ب. غياب المشروع الوطني الجامع
أظهرت العولمة أن الدولة العربية لم تُنجز مهمتها التاريخية في بناء هوية وطنية قادرة على احتواء الهويات الفرعية. فقد برزت الطائفية والجهوية والعشائرية كبدائل للانتماء الوطني، وهو ما جعل المجتمع هشّاً أمام أي صدمة خارجية أو فكرية.
ومع الانفتاح الرقمي، أصبح الفرد قادراً على بناء هوية جديدة لا تمر عبر الدولة بل عبر جماعات عابرة للحدود (طائفية، دينية، ثقافية)، وهو أمر عمّق الانقسام.
ج. سقوط خطاب الاستثناء.
كانت الأنظمة تبرّر استبدادها بخصوصية المجتمع العربي أو الاستثناء الحضاري . لكن العولمة، عبر المقارنة المباشرة المتاحة لكل فرد، كشفت زيف هذا الادعاء. فما كان يُقدَّم كخصوصية، تكشّف أنه تخلّف مؤسسي لا أكثر.
الانكشاف الاجتماعي مجتمع غير محصّن أمام التغيير
أ. انتقال التكنولوجيا قبل انتقال الوعي
دخلت التكنولوجيا الحديثة إلى المجتمع العربي بسرعة تفوق قدرته على استيعابها أو تكييفها قيمياً.
فصار لدينا مجتمع:
اولا. معاصر في الأدوات،
ثانياً. تقليدي في التفكير،
ثالثاً. منفصل معرفياً عن عالمه.
هذا التفاوت خلق خللاً اجتماعياً عميقاً: فالفرد يعيش في زمن رقمي، بينما تعيش مؤسساته في الماضي.
ب. انفجار الهويات الفرعية.
العولمة لم تُنتج الانقسامات، لكنها كشفتها بوضوح.
فحين فتحت الحدود الإعلامية، انكشفت:
اولا. الولاءات الطائفية،
ثانيا. العصبية القبلية،
ثالثاً. الخطاب العنصري،
رابعا. الارتباطات الخارجية.
وكان واضحاً أن الهوية الوطنية في كثير من الدول العربية لم تُبْنَ على أسس صلبة، بل على توازنات قسرية فرضتها الدولة خلال القرن الماضي.
(يرى بندكت أندرسون وهو أحد أهم علماء السياسة والدراسات الثقافية في القرن العشرين، وأحد أبرز منظّري مفهوم القومية في العالم) أن الأمة خيال سياسي يحتاج إلى مؤسسات متخيلة تدعمه. ومع ضعف هذه المؤسسات عربياً، تراجعت القدرة على خلق هوية جمعية.)
ج. غياب ثقافة القانون.
الأنظمة العربية حافظت على القانون بوصفه أداة ضبط.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من وكالة الحدث العراقية
