لا يُمكن قراءة المشهد السوري الجديد من زاوية الانتصار العسكري وحده، بل من خلال التحوّل الأيديولوجي العميق الذي قادته "هيئة تحرير الشام"، التي أعلنت حلّ نفسها قبل نحو عام، وبلغ ذروته مع انتقالها من حركة متطرفة عابرة للحدود، إلى سلطة تسعى لإدارة دولة.
وهذا التحوّل، وفق الباحث الفرنسي باتريك هيني، مؤلف كتاب "تحوّل بفعل الناس.. طريق هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا"، لا يستند إلى مراجعات فقهية أو اعتدال ديني، بل إلى إعادة ترتيب جذرية لأولويات السياسة والقوة. فبعد عام على سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة انتقالية مُعقّدة لا تقلّ صعوبة عن سنوات الحرب، فيما وجد أحمد الشرع نفسه على رأس دولة مُنهكة ومُجتمع شديد التصدّع.
خطر إعادة إنتاج الصراع
وقدم هيني، المُتخصص في الحركات الإسلامية المُسلّحة وشؤون الإسلام السياسي في أوروبا والعالم العربي، لصحيفة "ليبراسيون" قراءة مُعمّقة لطبيعة السلطة الجديدة وتحدّياتها.
ويرى أنّ التجربة السورية تُمثّل حالة نادرة لسلطة مُنبثقة من بيئة إسلامية راديكالية نجحت في فرض نفسها من دون تفجير إقليمي واسع، غير أنّ هذا النجاح الخارجي لا يضمن استقراراً داخلياً. فغياب مشروع وطني جامع، وتأخر بناء مؤسسات مُحايدة، واستمرار إدارة التعدد بمنطق الغلبة، قد يُعيد إنتاج الصراع بأشكال جديدة.
ويُحذّر الباحث في معهد الجامعة الأوروبية بإيطاليا، وعضو المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، إلى أنّ التحوّل الأيديولوجي في سوريا لم يُنهِ الراديكالية، بل أعاد تشكيلها. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في تجاوز الجهادية، بل في منع راديكالية الأغلبية من التحوّل إلى عائق أمام بناء دولة قابلة للحياة.
السياسة قبل العقيدة
وانتمى أحمد الشرع إلى بيئة جهادية مُرتبطة بتنظيم القاعدة، وسبق أن وصل إلى سوريا موفداً من أبو بكر البغدادي الزعيم السابق لتنظيم داعش الإرهابي. غير أنّ مسيرته سرعان ما ابتعدت عن منطق الجهاد العالمي. فالخلاف كان بنيوياً لا تقنياً، إذ رفض مفهوم "العدو الخارجي البعيد"، وركّز على خصم سياسي محدد هو النظام السوري، كما نبذ المُقاربة الطائفية التي اعتمدها تنظيم داعش، مُفضّلاً إطاراً سياسياً للصراع.
وهذا الخيار لم يكن تعبيراً عن اعتدال، بل قراراً سياسياً داخل حقل راديكالي عنيف. فقد دخلت جبهة النصرة في صدامات دموية مع داعش، ثم ارتبطت بتنظيم القاعدة عام 2013 لتعزيز شرعيتها التعبوية، قبل أن تفك هذا الارتباط لاحقاً لتوسيع تحالفاتها المحلية لتتجسّد في هيئة تحرير الشام عام 2017. وفي كلّ محطة، كانت الحسابات السياسية هي المُحرّك الأساسي.
تفكيك الجهادية من الداخل
ويُشدد هيني على أنّ ما يُوصَف بـِ "تدرّج الاعتدال"، هو في جوهره عملية تفكيك تدريجي للبنية الجهادية الصلبة. فالمرجعيات الفكرية لم تتغير دفعة واحدة، بل أُعيد ضبطها بما يخدم متطلبات السيطرة والاستمرار. ورافقت ذلك عمليات إقصاء داخلية.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من موقع 24 الإخباري
