في اليوم العالمي للغة العربية، يبرز المدافعون عن العربية على السوشيال ميديا كخط الدفاع الأول ضد الأخطاء اللغوية المتسارعة بين سرعة النشر وضرورة الدقة. تقريرنا المعد مسبقًا "للغة العربية أيضاً شرطة ومدافعون عنها" يكشف جدلية: هل التصحيح حرص أم تصيد للأخطاء؟

ملخص تعتبر اللغة العربية جزءاً لا يتجزأ من هويتنا الثقافية والحضارية والجسر الذي يصل الناس ببعضهم والأداة التي يعبرون فيها عن فكرهم وقيمهم لكن غنى مصطلحاتها وصعوبة قواعدها تجعل من الصعب ألا يقع المدونون في أخطاء، سواء إملائية أو قواعد، خصوصاً في عصر الـ"سوشيال ميديا" الذي كرس السرعة سمة لهذا الزمن.

كانت فترة الحرب في لبنان مع إسرائيل كفيلة لتعيد علاقتي مع شاشات التلفزيون، خصوصاً الإخبارية منها، بعد انقطاع طويل عنها. فبحكم عملي، غالباً ما أستقي معلوماتي من مراسلي الصحيفة التي أعمل فيها ومن وكالات الأخبار العالمية والمحلية. أما وقد وقعت الحرب الضروس وفرض علينا ما لا نشتهيه، التزمنا منازلنا وكانت شاشات التلفزيون رفيقتنا الدائمة. يبدأ دوامها مع استيقاظ أول فرد في العائلة ولا تنطفئ إلا بعد أن يخلد آخر شخص فينا إلى النوم، هذا في حال استطاع النوم بسبب أصوات القصف حولنا.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more وللحرب مرويات طويلة تحكى لاحقاً، لكن متابعة رسائل المراسلين الحربيين من مختلف الميادين والمحطات التلفزيونية، أعادت عادتي القديمة التي حاولت مراراً التخلي عنها لأسباب مختلفة، وهي تصيد أخطاء اللغة العربية لكل متحدث أسمعه أو منشور أقرأه، سواء علقت عليها أو لم أعلق.

والأمر لا يتوقف عند المراسلين والمذيعين، ففي زمن الحرب خصوصاً، كل لديه ما يدلو به. تكثر الآراء والمنشورات والتعليقات وردود الأفعال، وكلها بلسان عربي يختلف مستواه بين مستخدم وآخر. ومع كثرة الكتابات تكثر حتماً الأخطاء، سواء كانت طباعية وإملائية أو قواعد نحوية.

أفكر في الظروف القاسية إلى يعيشها المراسلون في ظل الحرب، فالخطر محدق بهم في كل مكان، والسلامة الشخصية مهددة دائماً، والسرعة والجاهزية مطلوبتان في النقل المباشر للأحداث. فهل تكون سلامة اللغة أولوية في مثل هذه الأجواء مقابل الحرص على دقة نقل المعلومة وسرعة إيصالها؟

حاولت طويلاً الانصراف عن هذه العادة لأنها غالباً ما تكون مزعجة للآخرين، قد تستفز بعضهم أو تغضبه. فيقول قائل "لا ينظر متفرج على لاعب" أو يقول آخر إن "عصر وسائل التواصل الاجتماعي يقتضي السرعة ويغلب المضمون على اللغة"، لكني أعود يومياً لتصفح حساباتي وأول ما تقع عيني عليه هو الأخطاء العربية الفادحة. فاللغة ودقتها، هي الجسر الذي يصل الناس ببعضهم والأداة التي يعبرون فيها عن فكرهم وقيمهم وهي جزء لا يتجزأ من هويتنا الثقافية والحضارية.

لا تستعرض عضلاتك اللغوية إذا لم تكُن أهلاً لها

في هذا الإطار، يقول الكاتب والأستاذ المحاضر في اللغة العربية والكتابة الإبداعية إلياس قطار لـ"اندبندنت عربية" إنه في زمن الحرب نتفهم أن يعلي الصحافي مضمونه على لغته، وهذا ما ينشده المستمعون، ولكن من ضروب الذكاء في حال لم يكُن هذا المراسل متمكناً من أدواته اللغوية أن يقدم رسالته بالمحكية فينقذ نفسه ولغته.

ويوضح قطار أنه لا ينتظر من المذيع/ المراسل أن يكون "خبيراً لغوياً" بالمعنى العميق للكلمة، بل أن يمتلك البدهيات اللغوية الكفيلة تقديم رسالة لا تشوبها "مجازر" لغوية. ومتى حصد من اللغة كثيرها، فهذه إضافة له ولمضمونه وللمشاهدين. الأخطاء اللغوية التي نرصدها في النشرات الإخبارية والتقارير المسجلة والرسائل المباشرة وليدة عاملين جوهريين، أزمة معايير اختيار وهؤلاء إذ يصبحون "صحافيين ومراسلين" بين ليلة وضحاها بلا تدريب أو توجيه أو تدقيق نصوصهم (أقله التقارير المسجلة)، واستسهال مهنة الإعلام في زمن السرعة، إذ يصبح الخطأ "عدوى" تنتقل من مراسل إلى آخر بلا جهد بحثي تدقيقي.

أما عن أكثر الأخطاء التي رصدت خلال التغطية الإعلامية لحرب لبنان الأخيرة، فيشير قطار إلى ثلاثة أخطاء شاع استخدامها في غير زمان ومكان، ووجدت في زمن الحرب "أرضاً خصبة" لها. أولها، استخدام فعل "الوجود" بمعنى الوجود، فيقولون "سجل وجود كبير للنازحين"، والوجود من الوجد (الحب الشديد). ثانيها، استخدام الفعل "نفذ" بمعنى "فني وذهب ونضب"، فيقولون "نفذ صبر اللبنانيين، نفذت المواد الغذائية"، والصحيح "نفد" (بالدال وبكسر الفاء)، ثم ثالثها، تنوين كلمة "عناصر" كقولهم "استهدفت عناصراً من..."، والصحيح "عناصر" لأنها ممنوعة من الصرف على وزن مفاعل (منتهى الجموع). وما هذه سوى عينة بسيطة إذ تطول القائمة.

وبالانتقال إلى الأخطاء المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيعتبر قطار أن هذه المواقع جعلت اللغة "مشاعاً"، إذ أصبح كل مدون "إعلامياً" أو في أحسن الأحوال "صانع محتوى"، ولغة ذاك المحتوى طامة كبرى. أما بالنسبة إلى ما يقترفه الإعلاميون والصحافيون من أخطاء في حساباتهم، فلا عجب في ذلك، إذ إن ما نقرأه لهم مرآة لما نسمعه منهم. لو يكتب هؤلاء بالمحكية بلا عرض عضلات وترهات، لكانت اللغة وآذاننا وعيوننا بألف خير. ويستطرد أن السرعة لا تبيح لأي كان التنكيل باللغة، ولا تعفي "الصحافي"، كي يستحق تسميته المهنية، من تقديم محتوى "نظيف" لغوياً لا يعرضه للانتقاد. مسؤوليته أن يقدم إلى القارئ، سواء كان متضلعاً من اللغة أو خلاف ذلك، مضموناً يحترم اللغة كي يستحق هو احترامنا. تماماً كحرصهم على دقة معلوماتهم، ينبغي للإعلاميين أن يحرصوا على سلامة لغتهم بغض النظر عن المنصة وأي عامل آخر.

ولأني أتابع صفحة قطار على موقع "فيسبوك" وأستمتع بالمعلومات التي ينشرها حول اللغة، ألاحظ أنه ينشر أخطاء عربية يقع فيها كثير من الإعلاميين والمراسلين وغيرهم ويصحح لهم. فكان لا بد من سؤاله حول ما إذا كان هذا التصحيح قد يزعج أحداً أو يسبب له الإحراج، فكانت إجابته "عندما تكون لغتي على حق لا أخشى أحداً أو أمراً، لكن أختار من أعلق على نصوصهم أو منشوراتهم. إذا لم يكونوا من أهل الكتابة فلا أعتب عليهم، أما أهلها فأعتب وأكثر، وأعلق لهم ولا إحراج لأني أصوب لهم لا عليهم".

صياغة الأعداد باللغة العربية هي الأصعب

أما يزبك وهبة، الإعلامي اللبناني والأستاذ المحاضر فله باع طويل في المجال الإعلامي وتدريب الإعلاميين، ويستهل حديثه إلى "اندبندنت عربية" بالقول إنه في زمن الحرب يصبح استعمال اللغة العربية الفصيحة أمراً صعباً، وينسحب ذلك على أيام التظاهرات والأزمات الوطنية. وفي زمن الحرب هناك ضغوط نفسية وهناك قصف وهناك هدير وهناك مجموعة من الصحافيين تقف حول الصحافي وتزاحمه، بالتالي يصبح الأمر أصعب. وعلى الصحافيين أن يكونوا متمكنين من اللغة العربية، إذا ما أرادوا استخدامها للنقل المباشر وهو من أصعب أنواع الإعلام، وهو كذلك حتى بالنسبة إلى المذيعين داخل الاستوديو، فمن واجبهم أن يتمتعوا بلغة سليمة لدى طرح الأسئلة باللغة العربية الفصحى".

ويضيف وهبة، "دعوتي إلى الإعلاميين أن يستخدموا اللهجة البيضاء، أي العامية القريبة من الفصحى، من دون تنوين ومن دون تشكيل، بالتالي سيكون الأمر أسهل عليهم وسيتجنبون الأخطاء الفادحة"، لافتاً الانتباه إلى أنه في زمن الأزمات والشدائد، لا يكون كل من يظهر على الشاشة إعلامياً متمرساً، فالظروف تفرض نفسها أحياناً.

ويشير إلى أنه من خلال متابعته للحرب والتغطية الإعلامية سواء على القنوات المحلية أو الفضائية، تمكن من رصد كثير من الأخطاء اللغوية قد تصل أحياناً إلى الفاعل والمفعول به والمبتدأ والخبر وهذه يجب أن تكون بديهيات. ويضيف أن "هناك أيضاً أخطاء أعلى بدرجة، كالممنوع من الصرف وجمع المؤنث السالم وعلى رأسها الأعداد. فصياغة الأعداد قد تكون من أصعب ما يواجهه المراسل، فأنا أستاذ لغة عربية وأعلم مادة الإلقاء وأقول للطلاب منذ اليوم الأول أن الأعداد والأرقام وكيفية لفظها هي الأصعب في اللغة العربية، لكن بصورة عامة، فإن تكرار هذه الحالات يختلف بين مراسل وآخر، إذ إن المحطات قد تلجأ أحياناً إلى أولاد المنطقة أو إلى المصور.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ ساعة
منذ 8 ساعات
منذ ساعة
منذ 7 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 3 ساعات
بي بي سي عربي منذ ساعة
قناة العربية منذ 14 ساعة
قناة العربية منذ 9 ساعات
قناة العربية منذ 11 ساعة
قناة العربية منذ 10 ساعات
قناة العربية منذ 8 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 12 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 14 ساعة