"صوت هند رجب".. لحظة من الأمل في زمن اليأس

الحرب على غزة جعلت الناس يعيشون أياماً ليس لها مثيل في التاريخ، ربما تكون قد حدثت أشياء بشعة مماثلة في الماضي، ولكن أن يشهدها العالم على الهواء مباشرة، حيث تبث صور وأصوات المذابح دقيقة بدقيقة على الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، فهو أمر غير مسبوق.

ومن بين الأشياء الكثيرة التي تغيرت، أو توشك على التغير، بفعل ما حدث، ومستمر في الحدوث، هو وسائل الإعلام، والسينما، التي لم يعد بمقدورها أن تتعامل مع الكيان الصهيوني والعنف الذي يمارسه، كما كانت تفعل منذ عامين.

هذا التحول، الذي قد يكون من المبكر أن نرى نتائجه على أرض الواقع، يطرحه بقوة فيلم "صوت هند رجب"، للتونسية كوثر بن هنية، والذي يقدم تجربة مشاهدة لا أعتقد أنها مسبوقة في تاريخ السينما، ليس لأنه أفضل فيلم تم صنعه، رغم أنه فيلم جيد جداً، أو لأن أسلوبه جديد، رغم أنه متميز، ولكن لأنه يترك المشاهد في حالة من التأثر تختلف عما تفعله الأفلام عادة، وعما يفترض أن تفعله الأفلام بالمشاهدين.

تجربة استثنائية

ما يحدث على الأرجح خلال تجربة مشاهدة "صوت هند رجب" أن قدرة المشاهد على الحكم أو التقييم تتوقف مؤقتاً، ويتراجع الفيلم نفسه إلى شيء ثانوي، غير ذي بال، أمام ما يشاهده من مأساة يصعب على معظم الناس، باستثناء متحجري القلوب وميتي الضمائر، أن يتحملوها.

خلال 90 دقيقة تقريباً هي زمن الفيلم، تقوم كوثر بن هنية وفريق عملها باستخدام 3 مكونات رئيسية: الأول توثيق التفاصيل الدقيقة للحدث المعروف، غالباً، للمشاهد، وهو مصرع الطفلة الفلسطينية هند رجب يوم 29 يناير 2024 مع 6 من أفراد عائلتها، بعد عدة ساعات راحت فيها تستغيث من داخل السيارة التي تحولت إلى قبر جماعي، وعندما وصلت إليها سيارة إسعاف الهلال الأحمر أخيراً، قام جنود الاحتلال باطلاق النيران على السيارتين فقتلوها وقتلوا المسعفين أيضاً.

هذه الواقعة، وهي مجرد واحدة من مئات الجرائم الوحشية التي ارتكبها، ولم يزل، الكيان الصهيوني، هزت العالم، ليس لأنها الوحيدة، ولكن لأن الضحية طفلة عمرها 5 سنوات لها اسم وصوت، وتفاصيل حياة وموت، ولأن وقائع الجريمة كانت تبث على الهواء مباشرة، وتعيد بن هنية تمثيل المحادثات التي تمت بين هند رجب وفريق مكتب الهلال الأحمر، ولكن تستخرج من التسجيلات الحقيقية صوت هند فقط لاستخدامه في الفيلم، مع أصوات بقية الممثلين.

واقع خيالي

المكون الثاني للفيلم هو الجانب "المؤلف" (لن أقول الخيالي بالطبع)، فالفيلم له سيناريو وحوار وممثلين يؤدون أدوار الشخصيات الحقيقية وإخراج وتصوير ومونتاج إلى آخره.. وإن كان يلتزم بإعادة تمثيل ما حدث بالفعل خلال ذلك اليوم.

يدور الفيلم بالكامل داخل غرفة تلقي مهاتفات طالبي النجدة في مكتب الهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله (والذي يغطي الأرض المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة)، وذلك من خلال 4 شخصيات رئيسية هم: عمر القم (معتز ملحس)، ورنا حسن (ساجا كيلاني) اللذين ينخرطان مباشرة في معظم الأحاديث مع هند وخالها المقيم في ألمانيا وأمها المقيمة في غزة.

وبجانب عمر ورنا هناك مدير المكتب مهدي (عامر هليهل) الذي يتعين عليه "التنسيق" مع الصليب الأحمر الدولي والسلطة الفلسطينية والقيادات الصهيونية، في كل مرة يحتاج فيه المكتب إلى إرسال مسعفين لمكان ما، وبما أن عدد من المسعفين قد لقوا مصرعهم بالفعل على أيدي قوات الجيش الإسرائيلي، فإن مهدي يحاول بقدر الإمكان منع ذلك من الحدوث مرة أخرى.

الشخصية الرابعة هي نسرين (كلارا خوري) المسئولة عن الصحة النفسية للعاملين في المكتب، والتي تحاول حمايتهم طوال الوقت من الانهيار العصبي أو الانفعالات الزائدة أو حتى التشابك فيما بينهم!

ولعل أبرز ملاحظة هنا هي أن التمثيل طبيعي يكاد يخلو من مهارات ومظاهر الحرفة، خاصة مع الوضع في الاعتبار قسوة الموضوع والتجربة التي يمر بها الممثلون وهم يعيدون اختبار هذه المشاعر القاسية، واستماعهم إلى صوت هند رجب الحقيقي طوال الوقت.

ومن الواضح أن بن هنية كانت تحرص على وضع ممثليها في الموقف المطلوب وإتاحة الفرصة لهم للتعبير والانفعال الحقيقي بالموضوع، فهناك قدر من الارتجال والارتباك أحياناً، ولكنهما يضفيان المصداقية والطبيعية على الأداء.

طريقة بن هنية

المكون الثالث لفيلم "صوت هند رجب" هو الأسلوب، أو الكيفية، التي تم بها مزج الجانبين الوثائقي والمؤلف، والذي يعتمد بالأساس على صوت هند رجب الحقيقي الذي يشارك في الفيلم كشخصية مع تنويه على الشاشة، في كل مرة نستمع فيه إلى الصوت، بأنه الصوت الفعلي الذي سجلته أجهزة مكتب الهلال الأحمر للمحادثات الهاتفية الطويلة التي أجروها مع الطفلة المحاصرة، على أمل التخفيف عنها وطمأنتها حتى وصول سيارات الإنقاذ إليها.

هذا المزيج يعطي للفيلم تأثيره الفريد، ذلك أن المعالجة الوثائقية المجردة قد تجعل العمل يشبه التقارير والأخبار التي يتعرض لها المشاهد يومياً على الفضائيات، أما المعالجة الروائية لحدث بهذا الحضور فقد يجعل المشاهد يستقبل العمل كما يستقبل الأفلام الخيالية ويتصور أن ما يراه لم يحدث في الواقع بهذا الشكل.

الصيغة التي توصلت إليها بن هنية هي تكثيف المادة الوثائقية (التي تقتصر على المكالمات) ومنحها جسداً حياً، نرى فيه تفاصيل ماحدث في مكتب الإسعاف والجهات التي تم التواصل معها خلال اليوم المشئوم، كما نلقي نظرات أعمق إلى عقل ومشاعر الشخصيات الرئيسية، ونتماهى معها كما يحدث في السينما الروائية، ومن خلال هذه الصيغة يتم.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من الشرق للأخبار

منذ 8 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ ساعتين
منذ 11 ساعة
بي بي سي عربي منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 9 ساعات
قناة العربية منذ 12 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 16 ساعة
قناة العربية منذ 11 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 16 ساعة
قناة العربية منذ 10 ساعات
بي بي سي عربي منذ ساعتين