سعوديتان بثروة 50 مليار دولار تربطان "وول ستريت" بالرياض. لبنى وحذام إبنتا العصامي سليمان العليان مليارديرتان لا تسعيان للأضواء والبذخ. إمبراطورية العليان السعودية.. واسعة النشاط وتتسم بالكتمان وتقودها الشقيقتان منذ عقود. نجاح الأختين جاء في زمن كان فيه حضور المرأة كرائدة أعمال نادراً في المملكة. محفظة استثمارات المجموعة في الأسهم الأميركية فقط تناهز 12.7 مليار دولار.

عندما استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترمب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على مأدبة عشاء رسمية الشهر الماضي، كان بين المدعوين شخصيات بارزة مثل تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل ، وجين فريزر، الرئيسة التنفيذية لشركة سيتي غروب . وخُصص المقعد المجاور للملياردير إيلون ماسك لسيدة الأعمال السعودية لبنى العليان، التي جعلتها علاقاتها الوثيقة مع وول ستريت وفي المملكة من الأكثر نفوذاً في القاعة التي اكتظت بشخصيات مرموقة.

أبرزت مأدبة البيت الأبيض هذا النفوذ المتزايد لمجموعة العليان، وهي إمبراطورية أعمال سعودية واسعة النشاط تتسم بالكتمان وتقودها لبنى وشقيقتها حذام منذ عقود. نشأت الشقيقتان في زمن لم يكن يُسمح فيه للنساء بقيادة السيارات، وكنّ يحتجن إلى إذن أولياء أمورهن لاستصدار جواز سفر. مع ذلك، فقد تمكنتا من قيادة هذه المجموعة العائلية لتصبح كياناً عملاقاً يعمل على مستوى صندوق ثروة سيادي.

تسيطر المجموعة على محفظة أسهم في الولايات المتحدة تُقدّر قيمتها بنحو 13 مليار دولار، تشمل حصصاً بقيمة مليار دولار تقريباً في شركة بلاك روك ، و1.5 مليار دولار في بنك جيه بي مورغان تشيس ، كما يظهر في إفصاحات الشركات.

كانت مجموعة العليان، التي استثمرت بكثافة في بنك كريدي سويس قبل انهياره، تملك محفظة عقارية مميزة تمتد من "ماديسون أفينيو" في نيويورك إلى وسط لندن. كما أبرمت صفقة عقارية ضخمة في دبي مع شركة بروكفيلد ، وتستثمر بكثافة في الملكية الخاصة والسندات. أما في الولايات المتحدة، فمن أنشطتها تعبئة مشروب كوكاكولا ، وتدير فروعاً لسلسلة مطاعم برغر كينغ ، وتقدم خدمات حقول النفط.

من مصاف بيل غيتس وكارلوس سليم ثراءً حوّلت هذه الاستثمارات عائلة العليان إلى واحدة من أغنى العائلات في العالم. وتُقدّر ثروتها بأكثر من 50 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، الذي أدرجهم في قائمته السنوية لأول مرة. لكن هذا الرقم لا يعكس حجم ثروتهم بأكملها، حسب أشخاص ذوي اطلاع على الأمر، إذ إن المعلومات المالية التي تفصح عنها المجموعة محدودة.

قدّر كثير من هؤلاء الأشخاص ثروة عائلة العليان بأكثر من 100 مليار دولار، وهذا يضعهم في مصافّ بيل غيتس وكارلوس سليم وموكيش أمباني. كما يجعلهم أغنى من الأمير الوليد بن طلال، الملقب "وارن بافيت السعودية". ويتجاوز نفوذهم هذه القوة المالية، مدعوماً بولائهم للسعودية في أوقات الشدة، الأمر الذي جعل المجموعة ركيزةً لا غنى عنها في البلاد، كما أفاد أشخاص ذوو إطلاع.

غالباً ما يدفع نفوذ عائلة العليان كبار مسؤولي "وول ستريت" إلى طلب المشورة منهم، في سعيهم الحثيث للتوسع في الاقتصاد الذي يرعاه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ويبلغ حجمه نحو 1.3 تريليون دولار.

قال ستيفن هيرتوغ، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في كلية لندن للاقتصاد: "ما يزال الأمير محمد بن سلمان يميل إلى الولايات المتحدة كشريك مفضل في الأمن والتنمية الاقتصادية... إن وجود محاورين من القطاع الخاص لهم علاقات وثيقة بالقطاع المالي الأميركي مفيد".

لم يعلق ممثل عن مجموعة العليان في الولايات المتحدة، وأحال جميع الاستفسارات إلى متحدث في السعودية لم يُجب على قائمة أسئلة تفصيلية.

سليمان العليان رجل عصامي يحرز نجاحاً مهيباً يحجم معظم المديرين التنفيذيين العالميين عن الحديث عن العائلة خشية إزعاج الشقيقتين، المعروفتين بحرصهما الشديد على خصوصيتهما. يستند هذا التقرير إلى تحليل استثمارات العائلة وشركاتها العاملة وبيانات الكيانات المملوكة لها، بالإضافة إلى مقابلات مع أكثر من ستة أشخاص مطلعين على المجموعة، طلبوا عدم كشف هوياتهم عند مناقشة معلومات غير متاحة للعامة.

الشقيقتان حذام ولبنى، وكلتاهما تخطت 70 عاماً بقليل، ولدتا في السعودية لأبيهما سليمان العليان، الذي بدأ حياته المهنية كناظر تنسيق في الشركة التي أصبحت لاحقاً "أرامكو"، مستفيداً في ذلك من طلاقته باللغة الإنجليزية.

رهن سليمان منزله مقابل 8000 دولار ليفوز بعقد خط أنابيب، وفقاً لتقرير عنه من مجلة تايم ، ما أدّى في النهاية إلى تأسيس مجموعة العليان عام 1947.

منذ ذلك الحين، نوّع سليمان استثماراته بقوة، وعقدت المجموعة شراكات لبيع معجون أسنان كولغيت ، وبسكويت أوريو ، ومشروب كوكاكولا في المملكة. واشترى أسهماً أميركية لاستخدامها كضمان ائتماني لدى البنوك الأميركية، وبحلول عام 1980، حققت مجموعته إيرادات سنوية تجاوزت 300 مليون دولار، وفقاً لتقرير تايم .

بداية الأختين وشقيقهما خالد أدى توجه سليمان العليان العالمي إلى إنشاء إمبراطورية فريدة من نوعها، انخرطت فيها ابنتاه منذ أمد طويل. درست كلتاهما في الولايات المتحدة، وحصلتا على وظائف مهمة في الشركة العائلية عند عودتهما. بعد وفاة سليمان عام 2002، تولى ابنه خالد رئاسة مجموعة العليان ، لكن لبنى وحذام ساهمتا في إدارة معظم عمليات العائلة الضخمة.

قادت لبنى القسم المُختص بمنطقة الشرق الأوسط، بينما تولت حذام إدارة شركة العليان أميركا . تزوجت الشقيقتان شخصين غير سعوديين، وتبوأتا مناصب بارزة؛ فكانت لبنى أول امرأة تُنتخب لعضوية مجلس إدارة شركة مساهمة عامة في السعودية عام 2004. آنذاك، كانت حقوق المرأة محدودة جداً، إذ لم تُمنح النساء حق قيادة السيارة إلا عام 2018.

في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة (NPR) الأميركية عام 2018، استذكرت لبنى صعوبة إيجاد مرافق للنساء في المصانع وقاعات مجالس الإدارات، لأن المعتاد عدم وجود النساء فيها. بدأت بالتواصل مع مسؤولين حكوميين ومديرين تنفيذيين لطلب المساعدة في تعزيز قوة العمل النسوية، وكانت دائماً ما تُذكّر بضرورة توخي الحذر وتجنب المواجهة.

قالت في مقابلة لها عن تلك الجهود المبكرة: "وهكذا يتفاوض المرء ويتعامل ويأخذ ويعطي".

خلال مسيرتهما، اكتسبت الشقيقتان سمعة طيبة كمفاوضتين قويتين. وساعدهما في صعودهما قدرتهما على العمل بهدوء، وحرصتا على أن يُنظر إلى أعمالهما على أنها داعمة لأهداف الحكومة.

حوكمة الشركة العائلية يقع المقر الرئيسي للمجموعة الآن رسمياً في ليختنشتاين، ولها مكاتب في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أثينا، حيث تربط زوج لبنى المحامي علاقات وثيقة هناك. وعلى مر السنين، اكتسبت العائلة سمعة طيبة في إدارة مؤسسة احترافية جداً، تتميز بمهارة عالية في إبرام الصفقات على مستوى غير معتاد في مكاتب إدارة الثروات العائلية.

جوزيان فهد سريح، مديرة معهد الأعمال العائلية وريادة الأعمال في الجامعة اللبنانية الأميركية، تشير إلى أن "العائلة كانت حريصة جداً على دمج أطر حوكمة الشركات في أعمالها، وفعلت ذلك بمستوى عالٍ من الاحترافية".

في دلالة على مكانتها، لم يُمس بعائلة العليان عام 2017 عندما احتُجز عشرات الأمراء والمسؤولين السابقين ورجال الأعمال، ومنهم الأمير الوليد بن طلال، في فندق ريتز كارلتون بالرياض، خلال مرحلة تحول سياسية واقتصادية مفصلية في البلاد.

الوليد بن طلال، الذي تُقدّر ثروته اليوم بنحو 17 مليار دولار، عاد إلى الواجهة جزئياً في السنوات الأخيرة، واستفادت مجموعته الاستثمارية من طفرة البناء في المملكة. في التسعينيات، عُرف رجل الأعمال بأسلوب حياته اللافت للأنظار، وكثيراً ما كان يُرى على متن يخت خاص اشتراه من ترمب.

أما عائلة العليان، فلها نهج مختلف.

قالت حذام، متحدثةً عن عائلة العليان في خطاب أمام جمعية المصرفيين العرب في أميركا الشمالية عام 2013: "عادةً لا نسعى إلى الأضواء وخاصةً الإسراف، إننا مقتصدون جداً".

خسارة بنك "كريدي سويس" مع ذلك، فقد ارتكبت العائلة أخطاءً استثمارية. بصفتها مستثمراً قديماً في "كريدي سويس"، ظلت العائلة وفيةً للبنك حتى خلال فترة تراجعه، لتصبح في نهاية المطاف من أكبر الخاسرين في الأزمة التي بلغت ذروتها باستحواذ مجموعة "يو بي إس" على البنك المتعثر بخصم كبير.

كانت الخسائر فادحة لدرجة أنها قد تُزعزع استقرار كبرى المؤسسات المالية، لكن أحد المديرين التنفيذيين الدوليين يتذكر أن انهيار "كريدي سويس" لم يُعر اهتماماً يُذكر من قِبل "العليان"، مضيفاً أن المجموعة استمرت في تنفيذ المعاملات والمدفوعات كالمعتاد خلال تلك الفترة.

كان "البنك الأهلي السعودي"، المساهم الأكبر في البنك السويسري، من بين الشركات التي تكبدت خسائر في استثماراتها، واستقال رئيس مجلس إدارته في أعقاب ذلك. بينما ازداد نفوذ عائلة العليان في السنوات اللاحقة.

يُعزى ذلك بشكل أساسي إلى علاقاتهم في "وول ستريت" وداخل المملكة، لا سيما مع بدء الرياض في تحفيز الشركات الأجنبية للاستثمار محلياً والمساهمة في تنويع الاقتصاد.

تربط لبنى علاقات عمل وثيقة مع لاري فينك، المؤسس المشارك لشركة بلاك روك ، وغيره، وعُيّنت حديثاً رئيسةً مشاركةً لمجلس الأعمال الأميركي السعودي إلى جانب رئيسة "سيتي" جين فريزر. وتشغل حذام عضوية مجلس إدارة "بروكفيلد"، التي تُصنّف كإحدى أكبر شركات الاستثمار المباشر في الشرق الأوسط.

محفظة أسهم أميركية على مستوى صندوق سيادي هذا العام، وخلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة العربية السعودية، أقامت لبنى حفلاً في الرياض جمع كبار المسؤولين التنفيذيين والمسؤولين الماليين العالميين، حيث تناولوا المقبلات والأرز ولحم الضأن، وفقاً لأحد الحضور.

تمتد علاقاتهم إلى ما هو أبعد من مجرد القطاع المالي. فقد نمت استثماراتهم في الأسهم الأميركية، التي بدأ والدهم بتكوينها في ستينيات القرن الماضي، لتصل إلى 12.7 مليار دولار. وتشمل محفظتهم الاستثمارية اليوم حصصاً في شركات مايكروسوفت و ألفابت و أمازون . للمقارنة، يملك صندوق الثروة السيادي السعودي، الذي تبلغ قيمته تريليون دولار، ما يزيد قليلاً عن 19 مليار دولار من الأسهم الأميركية.

تشكل محفظة الملكية الخاصة للمجموعة جزءاً كبيراً آخر، ويُقدر حجمها بعشرات مليارات الدولارات، وفقاً لأشخاص مطلعين. وتجاوز معدل النمو السنوي المركب للاستثمارات المباشرة 30% على مدى عشر سنوات، بحسب موقعها الإلكتروني. وتمتد ممتلكات الشركة العقارية على مساحة تزيد عن 40 مليون قدم مربع، وتضم 40 ألف شقة سكنية تحت إدارتها.

أما محلياً، فدعمت العائلة المشاريع الكبرى. وعندما واجه طرح شركة "أرامكو" للاكتتاب العام بقيمة 25 مليار دولار صعوبةً في جذب المستثمرين الدوليين عام 2019، كانت العليان من العائلات التي استعانت بها الحكومة لدعم الطلب.

في الوقت نفسه، نجحت الشقيقتان في تحقيق توازن دقيق في تصريحاتهما العلنية. في عام 2018، وبعد أن تجنّبت العديد من شركات "وول ستريت" حضور مؤتمر للمستثمرين في المملكة، عقب مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي على يد عناصر سعودية، عبّرت لبنى خلال جلسة نقاشية في المؤتمر عن حزنها، معتبرةً أن هذا العمل يتنافى مع القيم السعودية. وقالت: "قيمنا لا مكان فيها للأعمال الشنيعة التي تناولتها الأخبار في الأسابيع الأخيرة".

توزيع مهام الإدارة بعناية تشغل لبنى حالياً منصب رئيسة مجلس إدارة مجموعة العليان، وفقاً لبيان صحفي صدر حديثاً عن مجلس الأعمال الأميركي السعودي. وترأس حذام مجلس المساهمين، بحسب موقع المجموعة الإلكتروني.

بحسب أشخاص مطلعين، فإن العمليات اليومية يديرها في الغالب الرئيس التنفيذي هاني لاذقاني والرئيس التنفيذي للعمليات سامر يغنم، لكن الشقيقتين تظلان الواجهة العامة للمجموعة وتقودان الاستراتيجية العامة مع أفراد العائلة.

وصف عدة أشخاص لبنى بأنها صريحة واجتماعية، وتشتهر بانخراطها العميق في استثماراتها. قال جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي وصديق الراحل سليمان إنها كوالدها واسعة الاطلاع وودودة، وحازمة أيضاً. أضاف: إذا ما تحدثت معها عن الأحداث الجارية، فلن يقتصر الأمر على ذكر ما حدث، بل إنها تفهم أسباب سير الأمور على هذا النحو".

أما حذام، فتبدو خافتة النبرة في حديثها، لكن أسلوبها في طرح الأسئلة بلطف قد يكشف لها تفاصيل دقيقة تُفيد في المفاوضات، بحسب أحد المديرين التنفيذيين الدوليين.

تُعدُّ الشقيقتان من بين القلائل الذين يُدركون حجم أعمالهما الضخمة بالكامل، ويُحكمون سيطرتهم على تفاصيلها المالية. وشهدت السنوات الماضية لحظات بدا فيها إدراج إحدى الشركات التابعة للمجموعة في البورصة وشيكاً، لكن لم ينضج الأمر.

في الوقت نفسه، طرأت تغييرات كثيرة على وضع المرأة السعودية في سوق العمل. في السنوات السبع الماضية، أعلنت المملكة عن إصلاحات تتيح للمرأة تأسيس أعمالها الخاصة دون موافقة الرجل، والسفر بشكل مستقل، كما أن كثيراً منهن يُدرن الآن صناديق استثمار خاصة، ويتداولن الأسهم، ويعملن في المصانع.

قالت حذام في خطابها عام 2013 عن عائلتها: "نحن نبحث عن الفرص، حتى في الشدائد.. نحن نرى الجوانب المشرقة".


هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار - السعودية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من الشرق للأخبار - السعودية

منذ 6 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 4 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 13 ساعة
صحيفة سبق منذ 9 ساعات
صحيفة عاجل منذ 8 ساعات
صحيفة سبق منذ 6 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ 3 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 18 ساعة
صحيفة سبق منذ 15 ساعة
صحيفة عكاظ منذ 19 ساعة