بعد سقوط نظام الأسد، سوريا تلغي التجنيد الإجباري بالكامل الجيش الجديد قائم على التطوع لا الخوف، لكن الأقليات خارج الحساب حتى الآن. من هم المستفيدون والمتضررون من إلغاء التجنيد الإجباري في سوريا؟

ملخص مع وصول السلطة الحاكمة الجديدة إلى دمشق بقواتها العسكرية، كان من أوائل القرارات التي اتخذتها إلغاء التجنيد الإجباري بصورة كاملة ونهائية، للمرة الأولى لم يعد الشاب السوري هارباً أو خائفاً أو مختبئاً أو مطالباً بإثبات ولائه الوطني والعقائدي، فصار الجيش الجديد ومعه القوى الأمنية مبنياً على متطوعين بالكامل بناء على الرغبة لا الخوف.

طوال أكثر من نصف قرن من حكم نظام البعث لسوريا لم تكن الخدمة العسكرية الإلزامية مجرد محطة عابرة في حياة الشباب السوري، وعلى رغم أنها كانت منصوصة بقانون يقتضي أن تكون مدتها نحو عام ونصف عام، لكن الحرب السورية التي بدأت في عام 2011 غيرت الموازين وأدخلت معها السلطة السابقة في حالة استنفار طبقتها قسرياً على شباب ورجال البلد عبر إطالة مدة الخدمة الإلزامية والاحتياطية والاستدعائية حتى مدد زمنية غير محددة، إذ إن بعض الملزمين بالجندية استمروا في خدمتهم غير الطوعية في بعض الدورات والتشكيلات وعلى خطوط المواجهة لثمانية أعوام وأكثر أحياناً.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more عقوبة جماعية ثمة فرق كبير بين المتطوعين برغبتهم أفراداً أو صف ضباط أو ضباطاً في الجيش السوري، وبين أولئك المساقين إلى الخدمة عنوة، وأولئك تحديداً لم يخدموا في الغالب بوصف الأمر واجباً وطنياً مقدساً، خصوصاً مع تتالي أعوام الحرب وانعدام قدراتهم المادية والمعنوية والنفسية وغياب التعويضات المناسبة ووقوعهم تحت أخطار الموت أو الإصابات التي تفضي لنسب متفاوتة من العجز بعضها كلي بالكامل، وأيضاً كان يغيب التعويض العادل، في بعض الأحيان كانت ترسل السلطات تعويضاً رمزياً مصحوباً ببعض الفاكهة وساعة حائط لعائلة القتيل.

تلك الخدمة الإلزامية أجلت مشاريع الشباب ونسفت حياتهم وعطلتهم عن أعمالهم وتحصيلهم الدراسي والحياتي والمادي، كانت كقدر ثقيل جاثم على صدورهم من دون فكاك منه، وكأن الزمن اختارهم ليضعهم في موضع انتظار مفتوح لا تاريخ خروج واضحاً منه.

سليمان عمران شاب من حمص اقتيد للخدمة في صفوف الحرس الجمهوري مطلع الحرب، يقول "شهر بعد آخر كان يتناقص أعداد لوائنا المقاتل بصورة مريبة، كانوا يسقطون قتلى على الجبهات، وكنا نتساءل هل سنحصل على تسريحنا قبل أن نموت أو نصاب بعجز نصفي أو كلي؟ لم يحترم نظام الأسد يوماً جيشه، كانت رواتبنا بالكاد تكفي أجور مواصلات في عطلاتنا على قلتها، وعلى رغم ذلك كان أكثر ما نخشاه ألا نتمكن من الخروج من هذه المتاهة سالمين وأن نضيع في غياهب اللا قرار واللا وضوح. ثمانية أعوام من الخدمة القسرية، وفي نهاية المطاف تسرحت دورتنا بعد أن قتل وأصيب معظمها".

السوق الإجباري لم يكن مقتصراً على طائفة واحدة، بل كان يشمل الجميع، وعقوبة الفرار من الخدمة تحددها المحاكم العسكرية وتكيل للمتهم من خلالها تهماً قد تكون فعلاً كفيلة بالقضاء على مستقبله، باستثناء مراسيم العفو التي كانت تصدر بين حين وآخر عن جرائم الفرار الداخلي مقابل العودة للخدمة، وكان يصدر مرسوم مشابه كلما زاد الضغط على الجيش السابق وتراجع على الجبهات، جنود سابقون كثر أجمعوا في حديثهم مع "اندبندنت عربية" أن "الجندية لم تكن تكريس انتماء بل عقوبة جماعية".

اتخذت السلطة الجديدة الحاكمة في سوريا قرار إلغاء التجنيد الإجباري بصورة كاملة ونهائية (أ ف ب)

جيش بالإكراه "المسألة تتعلق بالزمن والحق والتاريخ والإشباع العقائدي والأهم كسر الشخصية المجتمعية"، يقول العقيد المنشق سالم. س، مؤكداً أن "الجيش السابق بعد دخول الميليشيات من العراق ولبنان ودول أخرى رفقة إيران وروسيا، وصل إلى مرحلة تشبه الاكتفاء العددي والبشري، لكنه واصل سياسة التجنيد القسري وسحب الشباب من المنازل وعلى الحواجز وفي المؤسسات والمديريات، ومن كان يهرب كان يواجه الإرهاب، علماً أن كثيرين من الذين فروا كانوا أساساً من مؤيدي النظام، لكن مسألة توقف الحياة هي التي كانت الفيصل في قرارهم".

أحمد السيد أحد أبناء طرطوس الذي خدم في الفرقة 18 في حمص خلال أعوام الحرب، أكد وجود فجوة هائلة كانوا يشعرون بها، ولا تتعلق فقط بالرواتب الصفرية تقريباً، بل بالامتيازات التي تمنح لجهات أخرى كمثل الإدارات الأمنية والفرقة الرابعة ومكتبها الأمني، وأضاف "الأسوأ من ذلك أننا كنا نتشارك جبهات قتال مع حزب الله مثلاً وتصل إليه وجباته اليومية معبأة ومغلفة وتحوي على اللحوم وكل ما يلزم من الطعام الصحي، أما وجباتنا نحن فكانت عبارة عن حبة بطاطا وقرص بندورة، طعام ليس صالحاً للاستهلاك الآدمي، كان الإذلال كبيراً".

شباب بلا أعمار ظل نظام الأسد يطارد الشباب أينما وكيفما استطاع حتى سقوطه، يقول ناظم مرشد الذي خدم كجندي في الفرقة الثالثة بريف دمشق بين عامي 2013 و2019 أن تلك الأعوام كانت أسوأ ما مر عليه في حياته، "انتزعوني من جامعتي فور تخرجي، ساقوني إلى معسكر التدريب في منطقة الدريج، ثم إلى الفرقة الثالثة حيث تم فرزي إلى البادية، خرجت من الخدمة معافى جسدياً لكني مشوه نفسياً، كان عمري وقتذاك نحو 30 سنة، حينها بدأت أفكر هل فاتني قطار الحياة، ماذا سأعمل بعد الآن، ماذا عن شهادتي الجامعية التي نسيت كل ما تعلمته من خلالها، هل من شركات ستوظفني؟ هكذا انتهت حياتي ببساطة لينتهي بي المطاف صاحب كشك صغير أبيع فيه الدخان والقهوة، هذا ما جناه الأسد علي".

كان الأمر يبدو وكأن النظام السابق يملك ساعة سحرية توقف الزمن فتنتج بعدها شباباً محاطين بالبطالة والمخاوف وضياع المستقبل، يهيمون على وجوههم ويحيون حياة لا طائل منها ولا أمل لديهم داخل مجتمع كان يتقدم بسرعة في غيابهم الطويل. الأمر ذاته رتب ارتفاعاً مهولاً في نسب العنوسة وتأخر سن الزواج وانعدام المقدرات المالية للفئة الشابة وضياع أحلام العمل والتشتت النفسي المطلق، صار الأمر في خلاصته كمن يتعمد صناعة وعي جماعي مشوه ومبطن بالخطابات الوطنية.

الخدمة الإلزامية أجلت مشاريع الشباب ونسفت حياتهم وعطلتهم عن أعمالهم وتحصيلهم الدراسي (أ ف ب)

نجاة لا اختيار على المقلب الآخر قرر عشرات وربما مئات آلاف الشباب أن الحل لضمان المستقبل هو الهرب من وجه السلطة نفسها، وذلك الهرب ليس بحثاً عن مغامرة جديدة، بل ضماناً لمستقبل إنساني، فكانت موجات الهجرة المشهودة التي كثيراً ما ارتبط منها بالفرار من التجنيد القسري.

رامي الحوراني أحد أبناء مدينة حماه، كان خدم جنديته الإلزامية قبل اندلاع الحرب، لكنه فوجئ بطلب استدعاء احتياط للخدمة من جديد في عام 2012، ولأنه كان يعرف القصة بما فيها قرر الرحيل بعيداً، وقتذاك كان يبلغ من العمر 30 سنة، فهرب إلى تركيا ومنها شق طريقه إلى النرويج حيث هو الآن، "لم تكن أوروبا تعنيني، كنت سعيداً في بلدي، لكني لن أعاود ارتداء البدلة العسكرية من لقتال أبناء بلدي، دفعت كل مدخراتي في طريق هجرتي الطويل، بعت منزلي قبلها، وبعدها تهت في الغابات وفي عز برد الشتاء وتحت أخطار الخطف والمهربين والموت، كان ذلك الثمن منطقياً بالنسبة إلي في مقابل أعوام سأخدمها ولا أعلم مدتها وستضع في رقبتي دماء ودماء".

تلك.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 10 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ ساعة
منذ 4 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
بي بي سي عربي منذ ساعتين
قناة العربية منذ 12 ساعة
قناة العربية منذ 14 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 13 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 16 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 15 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 16 ساعة
قناة العربية منذ 9 ساعات