بعد30 عاما.. ماذا يكشف إلغاء تفويضي استخدام القوة ضد العراق؟

يرى محللون سياسيون وأمنيون عراقيون أن قرار الكونغرس الأميركي بإلغاء تفويضي استخدام القوة العسكرية ضد العراق لعامي 1991و2002، يمثل "محطة مهمة "تعكس نهاية الإطار القانوني الذي برر التدخلات العسكرية السابقة، بينما يؤسس لشراكة أمنية مشروطة بالسيادة العراقية والالتزام بالقانون الدولي، مع تعزيز قدرة الحكومة على احتكار السلاح وإنهاء النفوذ الإيراني.إلغاء تفويضي استخدام القوة

وكان الكونغرس قد صوّت أمس الأربعاء على هذا الإلغاء ضمن مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 بعد نحو 3 عقود، حيث تزامن التفويض الأول في مطلع التسعينات مع حرب الخليج بينما منح الرئيس الأميركي، وقتذاك، استخدام القوة لإخراج القوات العراقية من الكويت تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن. أما التفويض الثاني فقد كان أوسع على المستويين الزمني والعملياتي، حيث منح الإدارات الأميركية صلاحيات واسعة لاستخدام القوات المسلحة ضد العراق، بدعوى الدفاع عن الأمن القومي الأميركي من دون تحديد سقف زمني أو اشتراط العودة إلى الكونغرس.

وقد جاء في بيان لوزارة الخارجيّة العراقيّة: "استكمال مراحل إلغاء تفويضي استخدام القوّة العسكريّة المذكورين، اللذين مضى عليهما أكثر من 30 عامًا، يشير إلى تغير قناعات المشرعين الأميركيين لعددٍ من الاعتبارات الداخلية والخارجية، كما يعد هذا الإلغاء نقطة تحول جوهرية في تغيير الطابع القانوني للعلاقة بين البلدين، ويؤسس لشكل جديد من العلاقات قائم على احترام سيادة العراق وإنهاء إرث الحرب، فضلًا عن تعزيز إطار الشراكة الاستراتيجيّة، بما يبعث برسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أنّ العراق أصبح بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار".

وتابع البيان: "إلغاء تفويضي استخدام القوّة العسكرية لا يقوض جهود مكافحة الإرهاب؛ إذ إن تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2001، الخاص بمكافحة الإرهاب والصادر عقب أحداث 11 سبتمبر، لمواجهة تهديدات تنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة به، لا يزال نافذًا".مرحلة جديدة

وفي حديثه لـ"المشهد" يوضح المحلل السياسي ومدير المرصد العراقي للحقوق والحريات عادل الخزاعي أن القرار يعكس "إنهاء الإطار القانوني" الذي استُخدم لتبرير تدخلات عسكرية مفتوحة ويؤسس لـ"مرحلة جديدة" تُربط فيها أي شراكة أمنية أو دعم عسكري بمعايير سيادة الدولة والالتزام الصارم بالقانون الدولي وإنهاء النفوذ الإيراني.

كما يبعث القرار برسالة مباشرة مفادها أن استمرار الشراكة مع العراق لم يعد منفصلًا عن أداء الدولة في بسط سيادتها، وعلى رأس ذلك احتكار السلاح بيد المؤسسات الرسمية. وأمنيًا يفتح ذلك الباب أمام إعادة "هندسة التعاون الأمني" على أساس مشروط، بحيث يُربط جزء من المساعدات والدعم والتدريب العسكري الأميركي بقيام الحكومة العراقية بخطوات عملية لتعزيز سيطرة الدولة، وتقليص نفوذ الجماعات المسلحة الخارجة عن إطار القوات النظامية.

ويردف: "يبعث القرار برسالة أخرى هي أن واشنطن لم تعد مستعدة لتغطية واقع السلاح المتفلت أو ازدواجية السلطة داخل العراق، وأن استمرار التعاون بات مشروطًا بقدرة الحكومة العراقية على بسط سيطرتها الحصرية على القوة المسلحة".

أما في ما يخص دلالة التوقيت، فيقول الخزاعي "تعكس تصاعد القناعة داخل المؤسسات الأميركية بأن استقرار العراق لم يعد ممكنًا في ظل بقاء كيانات مسلحة موازية للدولة، وأن أي دعم مستقبلي سيكون مشروطًا بإصلاحات أمنية حقيقية لا شكلية".الاستقرار الإقليمي

يتفق والرأي ذاته، الخبير الأمني العراقي سرمد البياتي الذي يرى أن القرار يشكّل محطة "مفصلية بالغة الأهمية"، إذ ينطوي على رسالة واضحة ومباشرة إلى الداخل العراقي وإلى المجتمع الدولي على حد سواء، مفادها أن العراق يتمتع "بدرجة عالية من الأمن والاستقرار، ولم يعد ساحة مهددة أو مفتوحة أمام التدخلات العسكرية الخارجية كما كان يُصوَّر في السابق".

ويقول البياتي لـ"المشهد": "القرار يؤكد أن العراق اليوم لا يحتاج إلى أي قوة عسكرية أجنبية للتدخل في شؤونه الأمنية، على عكس ما شهدته السنوات الماضية، وهو ما يمنح الحكومة العراقية زخمًا سياسيًا وأمنيًا كبيرًا، بينما يعزز من قدرتها على إدارة شؤون الدولة باستقلالية ومن دون ضغوط أو حسابات مرتبطة بإملاءات خارجية أو تهديدات محتملة".

وعلى المستوى الخارجي، يسهم القرار في "ترسيخ الاستقرار الإقليمي، ويفنّد المزاعم التي تروّج لاحتمال تدخل دول أخرى عسكريًا في العراق، إذ ينسف هذه الفرضيات من أساسها ويعيد التأكيد على أن الأمن العراقي بات شأنًا وطنيًا خالصًا"، وفق الخبير الأمني العراقي.دولة ذات سيادة

من جهته، يشير الباحث السياسي المقيم في واشنطن زياد سنكري إلى أن قرار الكونغرس الأميركي بإلغاء تفويضي استخدام القوة العسكرية ضد العراق، الصادرين عامي 1991و2002، يحمل دلالات قانونية وسياسية تمهّد لـ"مرحلة جديدة في العلاقات بين العراق والولايات المتحدة، بعد أكثر من 30 عامًا من الحروب والتدخلات العسكرية المباشرة".

رغم أن الكونغرس الأميركي لا يشير بالضرورة إلى "انسحاب وشيك" أو "تغيير فوري" في حجم وطبيعة الوجود الأميركي داخل الأراضي العراقية، إلا أنه يكتسب أهمية قانونية وسياسية بارزة، وفق سنكري في حديثه لـ"المشهد"، موضحًا أن "الإلغاء يغلق الباب أمام أي تحرك عسكري منفرد مستقبلي ضد العراق من دون العودة إلى الكونغرس بمجلسيه، بما يُعد تحولاً لافتًا في آلية صنع القرار الأميركي بشأن القضايا العسكرية في المنطقة".

كما أن هذه الخطوة تمنح العلاقات بين بغداد وواشنطن "بعدًا أكثر توازنًا"، إذ تُرسّخ الاعتراف بالعراق كدولة ذات سيادة قادرة على إدارة شؤونها بعيدًا عن ضغوط السياسة الأميركية التقليدية، بحسب سنكري. ويضيف: "كما أنها تعكس توجهًًا أميركيًا متدرجًا لإعادة صياغة سياستها في الشرق الأوسط على أسس الشراكة لا الوصاية، في محاولة لاستعادة الثقة المتبادلة بعد عقود من الحروب والتدخلات المباشرة".

وعلى مستوى السياق الإقليمي، يقول الباحث السياسي المقيم في واشنطن: "يُنظر إلى القرار على أنه مؤشر بخصوص رغبة واشنطن في تقليص حضورها العسكري التقليدي وتعزيز مقاربتها الدبلوماسية في التعامل مع أزمات الشرق الأوسط. كما يراه البعض تمهيدًا لمرحلة جديدة من التوازنات السياسية، تُعيد ترتيب أولويات الولايات المتحدة في المنطقة، بما ينسجم مع تحوّلاتها الداخلية وتركيزها المتزايد على المنافسة العالمية مع الصين وروسيا".(المشهد)۔


هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة المشهد

منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 13 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 16 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 11 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 19 ساعة
قناة العربية منذ 14 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 19 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 18 ساعة
قناة العربية منذ 12 ساعة