«اليوم خمر وغداً أمر» رواية غير معقولة، فلم يكن بإمكان أحد أن يردها، ذلك لأن تاريخ الأدب من العلوم النقلية التي تعتمد الرواية وحدها والتعليل إذا أمكن ولكن بالاستناد إلى الرواية.
إذا كان من غير الممكن أن نبني دراساتنا في الأدب والفلسفة على أسس المنطق وقواعد العلم تمامًا، فإنه من غير المعقول أن نجانب هذه الأسس والقواعد في دراسة الأدب والفلسفة مجانبة تامة.
إن العرب لم يألفوا بعد في تاريخهم الحديث معاناة العلوم الرياضية والطبيعية، إننا لا نزال في واقعنا الحاضر أميل إلى الاتجاه الشخصي في معالجة الأمور، ومن هذه الأمور أمورنا العلمية والأدبية والفكرية. وإذا كان اليوم في الوطن العربي نفر من العلماء ومن الذاهبين في الأمور مذهب العلم الرياضي والطبيعي، فإن مثل هذا المذهب لم يصبح بعد ثقافة عامة جيلنا المعاصر ولا هو الطابع الغالب على الباحثين في الموضوعات الأدبية والفلسفية.
إن هذا الانفصال الذي نراه بين جانب العلم وجانب الأدب خاصة، في معظم الكتب التي تملأ الأسواق والمكاتب ثم تسيطر على توجيه الناشئين، راجع إلى افتراض خطأ مبثوث هنا وهناك، هو أن الإنسان يولد متجها نحو العلم أو نحو الأدب. من أجل ذلك نجد بين المشتغلين بالأدب نفراً كثيرين يعتقدون ألا استعداد لهم للإنتاج العلمي ولا للاتجاه العلمي، وأن عقليتهم أدبية مقطوعة الصلة بالمناهج المنطقية، مرتبطة بالوجدان الخالص والذوق الشخصي، ويقتنع هؤلاء بما تجسم في خيالهم فينطلقون يجيلون وجدانهم وأذواقهم في تراثنا الفكري، يختارون الروايات التي تلائم أذواقهم تلك، ثم يصدرون الأحكام التي تستهوي وجدانهم ذلك. ويتفق أن يرزق نفر من هؤلاء أسلوب براق شائق فيضفي أسلوبهم هذا على تلك الأحكام لباساً من الصواب الظاهر.
ويعظم هذا السوء حينما يصل الناشئون إلى مرحلة التعليم العالي والجامعي. إن معظم هؤلاء الناشئين يختارون أن ينتسبوا إلى الكليات التي تعلم الموضوعات الإنسانية من الأدب والفلسفة والاجتماع والسياسة، لا لأنهم ذوو مواهب تلائم الموضوعات الإنسانية، بل هربًا من قيود العلم ومناهج التنظيم الفكري مما تفرضه الكليات العلمية في الهندسة والطب والكيمياء والطبيعيات والرياضيات الخالصة. ويتسع هذا السوء أحيانًا على أيدي الأساتذة أنفسهم. حينما يتقدم الطالب إلى دخول الجامعة، ثم يجد الأساتذة أن هذا الطالب ضعيف الاستعداد، فإنهم ينصحونه بأن يتحول إلى دراسة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية
